في خطوة لافتة تعكس تحركًا دبلوماسيًا قطريًا لاحتواء التوتر الإقليمي، أكد أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني بالوكالة الدكتور محمد مخبر، رفض بلاده القاطع لما وصفه بـ«الانتهاك الصارخ» الذي تعرضت له إيران مؤخرًا، في إشارة واضحة إلى الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية حساسة.
دعم قطري لسيادة إيران
وأفادت مصادر رسمية أن الاتصال تناول آخر التطورات في المنطقة، لاسيما في ظل التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، والذي شهد تبادلاً للضربات الجوية والصاروخية خلال الأيام الأخيرة.
خلال الاتصال، شدد أمير قطر على موقف بلاده الثابت برفض أي مساس بسيادة الدول، وضرورة احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مؤكداً أن ما جرى يمثل انتهاكاً خطيراً ينبغي التوقف عنه فورًا.
الدعوة إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار
من جهته، ثمّن الرئيس الإيراني بالوكالة موقف قطر، مشيدًا بما وصفه بـ«الدور العقلاني والمتوازن» الذي تلعبه الدوحة على الساحة الإقليمية، ودعوتها الدائمة لتغليب لغة الحوار على منطق السلاح.
وأعرب الشيخ تميم عن قلقه البالغ من تصاعد وتيرة التصعيد العسكري في المنطقة، وتداعياته على أمن واستقرار الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، داعيًا إلى خفض التوتر بكافة أشكاله وتفادي الانجرار إلى مواجهة أوسع قد تنعكس سلبًا على أمن الملاحة والتجارة الدولية.
قطر تتحرك دبلوماسيًا… وخطوط مفتوحة مع الجميع
ويأتي هذا الاتصال ضمن سلسلة من التحركات الدبلوماسية التي تجريها قطر في الأيام الأخيرة في محاولة لنزع فتيل الأزمة. وأكدت مصادر مطلعة أن الدوحة تُبقي قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك طهران وتل أبيب، فضلًا عن عواصم القرار الدولي مثل واشنطن وباريس وموسكو.
ويرى مراقبون أن قطر، التي احتفظت بعلاقات متوازنة مع إيران والغرب على السواء، تسعى إلى لعب دور الوسيط لتجنب الانفجار الإقليمي الذي قد يتسبب في انهيار جهود التهدئة الممتدة من اليمن إلى لبنان.
موقف قطري منسجم مع سياساتها الثابتة
ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن تصريحات أمير قطر تعكس نهجًا دبلوماسيًا ثابتًا اتبعته الدوحة لسنوات، يقوم على رفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، ودعم الحلول السياسية للنزاعات، وهو ما يضع قطر في موقع فريد يمكنها من لعب دور توافقي في الأزمات الإقليمية المعقدة.
ويشير الدكتور عماد الدين أبو زيد، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الخليج، إلى أن “قطر تدرك أن استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل سيضع دول الخليج في دائرة الخطر المباشر، وأن التهدئة لم تعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية”.
تساؤلات عن مستقبل التوتر الإيراني الإسرائيلي
وبينما تواصل إيران توجيه اتهامات مباشرة لإسرائيل بتنفيذ هجمات على منشآتها النووية وقواعدها العسكرية، لا تزال تل أبيب تلتزم سياسة الغموض المعتادة بشأن الضربات، رغم تلميحات من مسؤولين إسرائيليين باعتزامهم «وقف المشروع النووي الإيراني بكل الوسائل المتاحة».
وفي ظل هذا التصعيد، تبرز أهمية الوساطات الإقليمية، وعلى رأسها الدور القطري، لمحاولة إعادة ضبط الإيقاع السياسي والأمني في منطقة تمر بأخطر مراحلها منذ عقود.
رسائل مزدوجة إلى المجتمع الدولي
بحسب متابعين، فإن الاتصال بين أمير قطر والرئيس الإيراني يحمل رسالة سياسية مزدوجة إلى طهران وتل أبيب على حد سواء: الأولى مفادها أن الخليج يرفض تحويل أراضيه إلى ساحة حرب بالوكالة، والثانية بأن أي استهداف لإيران قد يُقابل برد إقليمي يعقد حسابات الجميع.
وتعكس هذه الرسالة أيضًا تحذيرًا ضمنيًا للمجتمع الدولي من مغبة استمرار الصمت تجاه التصعيد، دون تدخل جدي لوقف التدهور الأمني الذي يهدد خطوط النفط والطاقة والملاحة البحرية في الخليج.
فوي وقت تتصاعد فيه نذر الحرب، تأتي المواقف الدبلوماسية العقلانية كطوق نجاة في بحر متلاطم من النزاعات. وها هي قطر، عبر قيادتها، تحاول ترسيخ معادلة «لا حل إلا بالحوار»، وتأكيد أن الأمن الإقليمي لا يُبنى على أنقاض الدول بل على أساس الشراكة والاحترام المتبادل.
وبينما تبقى المنطقة على حافة الانفجار، يترقب الجميع ما إذا كانت رسائل التهدئة، كالتي حملها أمير قطر، كافية لتبريد المشهد، أم أن لغة القوة ستظل هي الحاكمة.