وسط ركام البيوت المهدّمة والغبار المتراكم في أزقة خان يونس، تسير رهام شراب بخطوات صغيرة تحمل في يديها دمى صنعتها من الصوف، على هيئة خراف العيد. تلك الدمى، رغم بساطتها، تحمل رسالة أمل تحاول إيصالها لأطفال فقدوا كل شيء تقريبًا… منازلهم، ألعابهم، أصدقاءهم، وحتى الإحساس بالفرح.
هل سننام بسلام الليلة؟
رهام، الشابة التي اختارت أن تكون “خياطة للأمل”، تقضي ساعات طويلة في خيمتها داخل المخيم المؤقت، تلف الخيطان البيضاء والسوداء بحذر، وتنسج الوجوه المبتسمة على دُمى الخراف، في محاولة لإعادة طقوس العيد إلى حياة الأطفال، ولو بخيط وإبرة. لا كهرباء تُساعدها، ولا مكان دافئ تلوذ به، لكنها تصر أن لكل عيد فرحته، مهما كانت السماء مشقوقة بالقصف.
الأطفال في غزة، وتحديدًا في خان يونس، لا يسألون عن العيدية هذا العام، ولا عن الكعك، ولا عن ملابس جديدة. يسألون فقط: “هل سيستمر القصف اليوم؟”، “هل سننام بسلام الليلة؟”. ومع ذلك، حين يرون دمية الخروف بين يدي رهام، تلمع أعينهم، وتطل من داخلهم تلك الروح الطفولية التي لم تتمكن الحرب من سحقها بالكامل.
ضحكة وسط المعاناة
الطفلة يارا، التي فقدت شقيقها في قصف استهدف الحي المجاور، تقبض على دمية الخروف وكأنها كنز. تقول بصوت خافت: “كنت أحب الخروف الحقيقي في كل عيد.. لكن الآن هذا هو خروفي الجديد.. وسأحضنه كل ليلة”.
العيد في غزة هذه السنة ليس احتفالًا، بل لحظة مقاومة ناعمة. الأطفال يحاولون أن يحتفظوا ببقايا طفولتهم، يلعبون في الأزقة، يركضون بين الركام، يتبادلون الحلوى إن وُجدت، ويضحكون على نكات صغيرة تُخفي وجعًا كبيرًا. بعضهم يصنع ألعابًا من قطع الخشب والمعدن المتناثر، وآخرون يرسمون على جدران الخيام شجرة عيد، أو يكتبون “كل عام ونحن بخير رغم كل شيء”.
عناق بين الألم والكرامة
رهام ليست وحدها. في كل زاوية من غزة، هناك من يُحاول بث الحياة في تفاصيل صغيرة. شاب ينفخ بالونات ملونة ويوزعها على الأطفال، وأخرى تصنع الحلوى من الطحين والماء فقط، وأم تُغني لأطفالها أغاني العيد القديمة لتُبعد عنهم أصوات الطائرات.
العيد في غزة لا يُشبه أي عيد. هو عناق بين الألم والكرامة، بين غصة العجز وشجاعة الأمل. هو خروف من الصوف بدلًا من الأضاحي، وهو لعبة من الخيال في غياب المتنزهات. لكنه مع ذلك، يظل عيدًا، ما دام هناك قلب يخفق لطفل، ويد تصنع له دمية، حتى لو من بقايا خيوط نجت من الحرب.