أعلنت وزارة الخارجية التونسية رسميًا، عن إعادة فتح قنصليتها في مدينة بنغازي شرق ليبيا، بعد أكثر من عقد من الإغلاق القسري بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد. الخطوة تُعدّ مؤشرًا على تغير المناخ السياسي والأمني في المنطقة، ورسالة واضحة على عودة تونس لتعزيز حضورها الدبلوماسي في ليبيا، وتقديم الدعم لمواطنيها المنتشرين في شرق البلاد.
عشر سنوات من الغياب: لماذا أُغلقت القنصلية؟
تعود جذور إغلاق القنصلية التونسية في بنغازي إلى عام 2014، عندما تعرّض مبناها لهجوم بقذيفة من قبل مسلحين مجهولين، أسفر عن أضرار بالغة في سورها الخارجي، مما دفع السلطات التونسية حينها إلى إغلاق القنصلية لدواعٍ أمنية.
جاء القرار في إطار موجة من التوترات التي اجتاحت ليبيا بعد الثورة، حيث شهدت البلاد انقسامًا سياسيًا وأمنيًا عميقًا.
العودة إلى بنغازي: ما الذي تغيّر؟
تشير إعادة فتح القنصلية إلى تحسّن نسبي في الأوضاع الأمنية في مدينة بنغازي ومدن الشرق الليبي عامة، حيث تعمل سلطات شرق ليبيا على تعزيز الاستقرار الأمني، ما شجّع العديد من الدول على استئناف أنشطتها الدبلوماسية في المنطقة. وتُعد تونس من أوائل الدول المغاربية التي تبادر بهذه الخطوة، مما يعكس رغبة حقيقية في تنشيط العلاقات الثنائية مع ليبيا ودعم جاليتها في الخارج.
خدمات قنصلية موسعة: دعم للجالية التونسية في الشرق الليبي
من المنتظر أن تتولى البعثة القنصلية التونسية في بنغازي تقديم خدماتها لأبناء الجالية التونسية في مناطق واسعة تشمل: بنغازي، الجبل الأخضر، درنة، طبرق، امساعد، جالو، البيضاء، المرج، العقورة، قمينس، أجدابيا، البريقة، والكفرة. وتشمل الخدمات القنصلية إصدار الوثائق الرسمية، تقديم الدعم القانوني والإداري، وتسهيل إجراءات السفر والتنقل.
أبعاد سياسية واقتصادية: تونس تعيد التموضع في ليبيا
تمثل الخطوة أيضًا بعدًا استراتيجيًا في السياسة الخارجية التونسية، إذ تسعى تونس إلى استعادة مكانتها كشريك فاعل في إعادة إعمار ليبيا وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما يُنتظر أن تسهم عودة القنصلية في دفع عجلة التنسيق الأمني واللوجستي، خاصة في ملفات الهجرة غير النظامية، وتيسير حركة البضائع والأشخاص بين الشرق الليبي وتونس.
إضافة إلى قنصلية بنغازي، تحتفظ تونس بقنصلية نشطة في العاصمة الليبية طرابلس، ما يتيح تغطية شاملة للجالية التونسية في مختلف المناطق الليبية. ويعكس هذا التكامل بين البعثتين حرص تونس على تأمين مصالح رعاياها وتفعيل حضورها على كامل التراب الليبي.
بداية جديدة لعلاقات تونسية ليبية متوازنة
إعادة فتح القنصلية التونسية في بنغازي ليست مجرد إجراء إداري، بل هي خطوة تحمل رمزية عالية في إطار عودة الاستقرار إلى ليبيا، وتؤشر إلى صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين الشعبين. وبين تحديات الأمن وفرص التعاون، تبدو تونس عازمة على أن تكون فاعلًا إيجابيًا في مستقبل ليبيا، بما يخدم مصلحة البلدين والمنطقة المغاربية بأسرها.