تصريحات كارل سكاو، نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، تكشف عن صورة قاتمة وغير مسبوقة للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وتعكس تحوّلاً في نبرة المنظمات الأممية من التحذير العام إلى دق ناقوس الخطر الصريح، بل وتوجيه أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال المساعدات.
انهيار المنظومة الإنسانية
أبرز ما تحمله هذه التصريحات من دلالات هو الاعتراف الرسمي بأن انعدام الأمن الغذائي في غزة لم يعد مجرد حالة طارئة أو متقطعة، بل أصبح حالة جماعية تمس كل السكان، في وضع أشبه بـ”المجاعة الصامتة”. استخدام لغة مثل “واحد من كل ثلاثة أشخاص لا يتناول طعامًا لأيام”، يعبّر عن مستويات غير مسبوقة من المعاناة، ويمنح الشرعية لمطالب الفلسطينيين والمجتمع الدولي بتصنيف الوضع في غزة كأزمة إنسانية شاملة.
الإشارة إلى أن 500 ألف شخص يواجهون خطر الجوع الشديد، و90 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، لا تمثّل أرقامًا مجردة، بل هي دلائل على انهيار المنظومة الإنسانية بالكامل في القطاع. في السياق ذاته، يعدّ حديث سكاو عن وفاة أشخاص أثناء محاولتهم الحصول على الطعام دلالة رمزية قوية على أن الجوع بات “سلاحًا غير معلن” يستخدم ضد المدنيين، مما يعزز من المطالبات بمساءلة قانونية على المستوى الدولي.
ضغط ناعم على المجتمع الدولي
تصريحات برنامج الأغذية العالمي تكشف أيضًا عن مفارقة مؤلمة: الغذاء موجود على الحدود، لكن القيود السياسية والعسكرية تمنع دخوله. هذه المفارقة تسلّط الضوء على أن الأزمة ليست ناجمة عن نقص الموارد، بل عن غياب الإرادة السياسية لتمكين المساعدات من الوصول إلى مستحقيها. هذه الرسالة تمثل ضغطًا ناعمًا على المجتمع الدولي، وتحمل دعوة صريحة لتجاوز الإدانة الكلامية نحو خطوات عملية مثل فتح المعابر وضمان الحماية الأمنية للقوافل الإنسانية.
كما أن الإشارة إلى معبر “زيكيم” تُعد مؤشرًا على محاولات جزئية لكسر الحصار الإنساني شمال القطاع، لكنها لا ترقى لمستوى الحل الشامل الذي يحتاجه السكان. مطالبة سكاو بفتح كل الطرق وتوفير الأمن تعكس قناعة تامة بأن استمرار الوضع الحالي لن يؤدي سوى إلى مزيد من التدهور، وأن وقف إطلاق النار ليس مجرد مطلب سياسي بل ضرورة حياتية لإنقاذ أرواح الأبرياء.
ضغط سياسية وأخلاقية
تصريحات كارل سكاو تمثل صرخة مدوية باسم الإنسانية، وهي تنقل ملف غزة من دائرة “الأزمة الإنسانية” إلى مستوى “الكارثة الممنهجة”. هذه التصريحات يمكن أن تُستخدم كورقة ضغط سياسية وأخلاقية لتحفيز المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فاعلة، وفتح تحقيقات جادة حول ما إذا كانت سياسات التجويع تُستخدم كأداة حرب، في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني.