حذّر هوشيار زيباري، القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أن قرار بغداد بإيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم لن يمر دون “عواقب سياسية”. الرسالة، التي جاءت عبر حسابه على منصة “إكس”، تضمنت تلميحًا صريحًا إلى أن الإقليم لن يتوانى عن اتخاذ خطوات تصعيدية قد تصل إلى حد القطيعة السياسية، معتبرًا أن الإجراء المتخذ من قبل الحكومة الاتحادية هو بمثابة “عقاب جماعي”.
تصريحات زيباري تعكس مزاجًا سياسيًا متوترًا، وميلًا متزايدًا في أربيل نحو كسر صمتها السياسي والانتقال إلى خطوات ملموسة للرد على ما تعتبره إجراءات غير دستورية تستهدف كيان الإقليم ووضعه المالي والإداري.
ورقة النفط: بين الاتفاق المؤجل والقرارات المنفردة
توقيت وقف الرواتب يتزامن مع تجدد الضغوط من بغداد على أربيل للتخلي عن السيطرة المنفردة على ملف النفط، في وقت يبدو فيه أن الاتفاق الذي أُعلن عنه في فبراير الماضي بين الطرفين لا يزال معلقًا ولم يُفعّل فعليًا.
وفي ظل استمرار الضغوط، يعتقد مراقبون أن حكومة إقليم كردستان قد تتجه لاتخاذ قرارات أحادية الجانب، أبرزها استئناف تصدير النفط دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية. مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة كسر للأطر التوافقية وتجاوز للاتفاقات السابقة، لكنها في الوقت نفسه تعكس حالة الانسداد السياسي الذي وصلت إليه العلاقات بين الطرفين.
التدويل كخيار سياسي: محاولة لكسر الجمود
التحول الأبرز في موقف أربيل تجلى في اجتماع مجلس وزراء الإقليم، الذي عقد الأربعاء، حيث تقرر توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي وممثلي الدول لشرح ما وصفوه بالأبعاد “الدستورية والقانونية والمالية” لملف حجز الرواتب. هذه الخطوة تعكس توجهًا نحو تدويل الأزمة، أي تحويلها من خلاف داخلي في دولة اتحادية إلى قضية حقوقية ذات أبعاد دولية.
التدويل هنا ليس مجرد مخاطبة للرأي العام العالمي، بل هو استدعاء محتمل لضغوط من منظمات دولية، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، للتأثير على قرار الحكومة الاتحادية. مثل هذا التحرك يحمل في طياته مخاطر تقويض مبدأ السيادة، ويعكس حجم فقدان الثقة بالمؤسسات الاتحادية كجهة تحكيم دستوري في مثل هذه الملفات.
موقف حكومة الإقليم: تأكيد على عدم دستورية القرار
مجلس وزراء إقليم كردستان أعاد التأكيد على أن وقف التمويل الحكومي لرواتب موظفي الإقليم لا يستند إلى أساس قانوني أو دستوري. في بيان رسمي، دعا المجلس حكومة بغداد إلى مراجعة شاملة لقرار وزارة المالية الاتحادية في ضوء قرارات المحكمة الاتحادية العليا، والعمل على تنفيذ الاتفاق المشترك الأخير الموقع بين الجانبين.
هذا التأكيد الرسمي يعكس نية واضحة لدى أربيل في الدفاع عن حقوقها ضمن الإطار الدستوري، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على لغة سياسية تتراوح بين التهديد المبطن والتفاوض المشروط.
صراع الرؤى: بين المركزية والفيدرالية
التوتر تصاعد أكثر بعد تدوينة نشرها رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي، اقترح فيها حصر إدارة النفط والثروات الطبيعية بيد الحكومة الاتحادية، في خطوة تعيد الجدل إلى لبّ الصراع: هل العراق دولة مركزية أم فدرالية؟ الرد جاء سريعًا من النائب الكردي سيبان شيرواني الذي وصف المقترح بأنه “محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو مركزية بغيضة”.
شيرواني ذهب أبعد من ذلك عندما قال إن “كردستان ليست مجرد اسم على ورق”، مشيرًا إلى أن الكيان الكردي هو كيان “دستوري راسخ”، في ما يبدو تمهيدًا واضحًا لاتخاذ الإقليم موقفًا تصعيديًا في حال استمرت بغداد في تجاهل مطالبه.
الدعم الأميركي وتوازن القوى
في هذا السياق، لا يمكن فصل الديناميات الداخلية عن التأثيرات الدولية، لاسيما الموقف الأميركي. فبينما لم يُحدد بعد موعد رسمي لزيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن، استُقبل رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بشكل رسمي في العاصمة الأميركية، في ما فُهم على أنه دعم سياسي ضمني لموقف أربيل في خلافها مع بغداد.
هذا التباين في التعامل من قبل الولايات المتحدة يُكسب موقف الإقليم زخمًا إضافيًا، وقد يشجع القيادة الكردية على المضي قدمًا في خياراتها التصعيدية إذا لم يتم التوصل إلى تسوية داخلية قريبة.