في تطور لافت يعكس عمق الأزمة المالية التي يعاني منها إقليم كردستان، أعلنت حكومة الإقليم نيتها توجيه رسالة رسمية إلى المجتمع الدولي، تطلب فيها دعماً لحل معضلة الرواتب المعلقة من قبل بغداد. هذه الخطوة، التي تأتي بعد شهور من الشد والجذب بين حكومتي المركز والإقليم، تعكس انتقال ملف الرواتب من دائرة التفاوض الداخلي إلى الحقل الدولي، في محاولة لإحداث ضغط سياسي على الحكومة الاتحادية.
وبحسب البيان الصادر عن حكومة الإقليم، فإن الرسالة ستتضمن شرحاً مفصلاً للأبعاد الدستورية والقانونية والمالية للقضية، مع التأكيد على أن حقوق موظفي الإقليم مكفولة بموجب الدستور العراقي. وتهدف الحكومة من خلال هذه الخطوة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى لعب دور في التنسيق وتقديم الدعم، بما في ذلك الوساطة المحتملة أو على الأقل تسجيل موقف داعم.
تحرك موازٍ من المجتمع المدني
بالتوازي مع تحرك حكومة الإقليم، بادرت منظمات المجتمع المدني الكردية إلى تسليم رسالة إلى بعثة الأمم المتحدة في أربيل، طالبت فيها بحل الأزمة وفق ما وصفته بـ”الأطر الدستورية”. هذه الخطوة تعكس تصاعد الضغط الشعبي في الإقليم، حيث باتت الأزمة تطال شريحة واسعة من المواطنين، ممن تعتمد معاشاتهم على التحويلات المالية من بغداد.
وقد تزايدت في الأيام الأخيرة الأصوات المطالِبة بتحرك فاعل لوقف هذا التعطيل، لا سيما في ظل تداعياته الاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تنعكس على استقرار الشارع الكردي.
البرلمان العراقي يعبّر عن أسفه ويدعو إلى حل فوري
من جانبه، عبّر مجلس النواب العراقي عن أسفه حيال قرار الحكومة الاتحادية قطع رواتب موظفي الإقليم، داعياً إلى التراجع الفوري عن هذا القرار. وفي بيان رسمي، دعت رئاسة البرلمان إلى صرف مستحقات الموظفين، معتبرة أن الإجراء الحالي لا يخدم مبدأ العدالة في توزيع الثروات الوطنية.
ويعد هذا الموقف لافتًا بالنظر إلى الانقسام السياسي داخل البرلمان بشأن الملفات المالية بين أربيل وبغداد. غير أن البيان الأخير يعكس على ما يبدو محاولة لتخفيف حدة التوتر ومنع انزلاق الأزمة إلى مستويات أكثر تعقيدًا.
مبادرة الحلبوسي تشعل الجدل من جديد
في خضم هذه التحركات، دخل رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي على خط الأزمة، بطرح خريطة طريق لحل الخلاف المالي، تضمنت مقترحات أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية. فقد دعا الحلبوسي إلى أن تكون صلاحيات استخراج وتسويق النفط محصورة بالحكومة الاتحادية حصراً، في إشارة واضحة إلى ضرورة توحيد الملف النفطي العراقي تحت سلطة بغداد.
هذا الطرح جوبه بردود فعل غاضبة من أطراف كردية اعتبرته نسفًا لأسس الاتفاقات السابقة، التي أتاحت للإقليم نوعًا من الاستقلالية في إدارة موارده الطبيعية. ويُتوقع أن تعمّق هذه المقترحات الخلاف حول جوهر العلاقة المالية والدستورية بين المركز والإقليم، خصوصًا إذا جرى الدفع باتجاه إعادة صياغة التفاهمات المتعلقة بالنفط والغاز.
أزمة مستمرة في ظل غياب الثقة
رغم الحراك المتعدد الأطراف، فإن فرص الوصول إلى حل فوري للأزمة تبقى ضعيفة في ظل استمرار انعدام الثقة بين بغداد وأربيل، وغياب الآليات الملزمة لتنفيذ أي اتفاقات مستقبلية. وتبقى الرسائل الموجهة إلى المجتمع الدولي بمثابة محاولة للضغط الرمزي أكثر منها رهاناً على تدخل مباشر، إذ إن أغلب القوى الدولية تفضّل البقاء على مسافة من الخلافات الداخلية العراقية.
وفي انتظار ردود الفعل على تحركات الإقليم، يبقى موظفو كردستان في مواجهة أزمة معيشية متفاقمة، باتت تشكل اختبارًا حقيقيًا لمتانة الفيدرالية العراقية ولقدرة النظام السياسي على إدارة التعدد والتفاهم في إطار الدولة الواحدة.