تحمل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأخيرة حول الثمن الباهظ الذي تدفعه القوات الإسرائيلية في غزة، أبعادًا متعددة تتجاوز مجرد توصيف الوضع الميداني. فالحديث عن “بطولة الجنود” و”الإنجازات العظيمة” إلى جانب الاعتراف بالمخاطر والخسائر، يبدو في جزء كبير منه محاولة لاحتواء الغضب الداخلي المتزايد في إسرائيل بسبب ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجيش.
منذ بدء العمليات العسكرية في غزة، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متصاعدة من الرأي العام، خصوصًا مع تزايد التقارير عن مقتل وإصابة الجنود. المشهد في الداخل الإسرائيلي متوتر، فالمجتمع يعيش حالة ازدواجية بين دعم العمليات العسكرية تحت مبرر القضاء على “حماس”، وبين الألم المتزايد لفقدان أبنائه في حرب تبدو دون أفق واضح للانتصار الحاسم.
حقنة تهدئة
في هذا السياق، تأتي تصريحات كاتس لتعمل بمثابة “حقنة تهدئة”، تركز على تعظيم دور الجيش وتقديم التضحيات وكأنها جزء من معركة وطنية لا مفر منها، ما يهدف إلى استعطاف الداخل وشحن الروح المعنوية المترهلة.
أما بخصوص أعداد القتلى، فهناك شكوك حقيقية بشأن صدقية الأرقام المعلنة. الجيش الإسرائيلي معروف بتشديد الرقابة الإعلامية خلال الحروب، وحصار المعلومات الحساسة. الإعلان عن مقتل 400 جندي فقط منذ بداية الحرب، بينما العمليات مستمرة منذ شهور وتدور في بيئة حضرية معقدة مثل غزة، يبدو رقمًا متواضعًا بالنظر إلى كثافة الاشتباكات وطبيعة المقاومة الشرسة التي تواجهها القوات الإسرائيلية.
خبراء عسكريون محايدون ومصادر إعلامية غربية تحدثوا عن تقديرات أعلى من الأرقام الرسمية، وبعض التقارير أشارت إلى أن إسرائيل قد تتعمد تقليل الأعداد المعلنة لتفادي تفاقم حالة الغضب الشعبي، التي قد تؤدي إلى احتجاجات أوسع أو إلى أزمة سياسية تهدد حكومة نتنياهو المتعثرة أصلًا.
رواية النصر المتواصل
إخفاء الحقيقة حول حجم الخسائر ليس أمرًا جديدًا في السياسة الإسرائيلية خلال الحروب، إذ أن إدارة الصورة أمام المجتمع الإسرائيلي، بل وأمام العالم الخارجي، تشكل جزءًا أساسياً من استراتيجيتها العسكرية. فهي تسعى دائماً إلى الإبقاء على صورة “الجيش الذي لا يُقهر” وعلى رواية النصر المتواصل، حتى في أكثر اللحظات صعوبة.
تمثل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي مزيجًا من محاولة رفع معنويات الداخل، وتهدئة المخاوف، وفي الوقت ذاته تمرير اعتراف ضمني بأن الحرب ليست نزهة، وأن “النجاحات العسكرية” المزعومة لها أثمان أكبر مما يُصرح به رسميًا. الصورة الواقعية قد تكون أكثر قتامة بكثير مما يظهر عبر التصريحات الرسمية.