منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش سكان القطاع أوضاعًا إنسانية كارثية غير مسبوقة، في ظل عمليات قصف منهجية وتدمير شامل للبنية التحتية، ما أدى إلى تهجير قسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين داخل رقعة جغرافية تتقلص يومًا بعد يوم. وتترافق هذه الأوضاع مع مؤشرات خطيرة على وجود نوايا إسرائيلية لفرض واقع دائم من التهجير وتغيير التركيبة السكانية للقطاع.
التهجير القسري كأداة عسكرية
شهادات وتقارير دولية:
بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن الجيش الإسرائيلي يستخدم ما يسمى بـ”أوامر الإخلاء”، وهي في الواقع أوامر تهجير قسري، تجبر الفلسطينيين على ترك منازلهم نحو مناطق غير آمنة ولا تتوافر فيها الخدمات الأساسية.
المنظمة الإسرائيلية المناهضة للاحتلال “كسر الصمت” أكدت عبر شهادات جنود أن الجيش دمّر المباني المدنية في “المنطقة العازلة” بشكل ممنهج. وتم تهجير أكثر من 1.7 مليون فلسطيني داخل غزة. ويعيش أغلب السكان في خيام وملاجئ مؤقتة، في ظروف غير إنسانية. المناطق المتاحة للسكان تتقلص يوميًا، وتحولت معظمها إلى حقول أنقاض غير صالحة للعيش.
التدمير الشامل للبنية التحتية
وفق تقديرات الأمم المتحدة، دُمّر نحو 80% من المنشآت المدنية في قطاع غزة كليًا أو جزئيًا. المستشفيات إما دُمّرت أو خرجت عن الخدمة. المدارس تحوّلت إلى مراكز نزوح، ولا توجد بيئة آمنة أو مناسبة للعيش أو التعليم أو العلاج. نقص فادح في الخدمات الأساسية «مياه، كهرباء، غذاء، وقود، وصرف صحي».
وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش دعا صراحة إلى تقليص عدد سكان غزة بالنصف عبر “الهجرة الطوعية”. تصريحات سابقة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تحدثت عن تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد تهجير سكانها. تحركات من جماعات استيطانية إسرائيلية لطرح مشاريع لعودة الاستيطان في غزة، رغم إخلائها في 2005.
مراقبون يرون أن عدم وجود خريطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد الحرب يعكس وجود خطة مبيتة لدفع السكان إلى مغادرة القطاع تحت وطأة الظروف المأساوية. بعض التحليلات تُشبّه الوضع في غزة اليوم بما يحدث في دول فاشلة كالصومال، دون أي سيطرة فعلية أو مؤسسات حكم.
الأبعاد القانونية والإنسانية
التهجير القسري محظور بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، ويُعد جريمة حرب. التدمير العشوائي والمنهجي للبنية التحتية المدنية يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. منع دخول المساعدات الإنسانية أو تقنينها يمثل شكلًا من أشكال العقاب الجماعي المحظور دوليًا.
تحرك دولي عاجل لوقف التهجير القسري وتقديم المساعدات الإنسانية دون قيود. إدانة واضحة من مجلس الأمن والجمعية العامة لأي مخططات لتغيير الطابع الديمغرافي لقطاع غزة. فتح تحقيقات أممية مستقلة في الانتهاكات الإسرائيلية باعتبارها جرائم حرب. دعم الجهود السياسية والدبلوماسية للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، بما يشمل قطاع غزة.
الأوضاع المأساوية في غزة لا تمثل فقط كارثة إنسانية بل إنذارًا بتغيير جذري في معالم الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. فمحاولات التهجير القسري والحرمان الممنهج من مقومات الحياة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتمهيد الطريق لتصفية القضية الفلسطينية. ولكن رغم كل ذلك، يظل الصمود الفلسطيني شاهدًا على التمسك بالأرض والهوية والحق التاريخي.