نفذت أوكرانيا، يوم الأحد، عملية عسكرية غير مسبوقة استهدفت قواعد جوية روسية في عمق الأراضي الروسية، شملت مواقع تقع على بُعد آلاف الكيلومترات من الحدود الأوكرانية، مما يشير إلى مدى تطور قدرات كييف الهجومية، وجرأتها المتزايدة في الرد على الهجمات الروسية المتصاعدة.
ضربات في قلب سيبيريا: بيلايا تحت النار
في أخطر الضربات التي نُفذت خلال العملية، استهدفت الطائرات المسيّرة الأوكرانية مطار “بيلايا” العسكري في منطقة إيركوتسك شرق سيبيريا، على مسافة تفوق 4300 كيلومتر من الأراضي الأوكرانية. ورغم أن وزارة الدفاع الروسية لم تشر صراحة إلى اسم القاعدة في بيانها، فقد أكدت وقوع هجوم بطائرات بدون طيار في المنطقة ذاتها، بينما نشر سكان محليون مقاطع مصوّرة أظهرت أعمدة دخان كثيف تتصاعد في السماء، وسط ذهول عام من امتداد الحرب إلى عمق الداخل الروسي.
حاكم منطقة إيركوتسك، إيغور كوبزيف، وصف الحادث بأنه “الهجوم الأول من نوعه في سيبيريا”، داعيًا السكان إلى عدم الذعر، ومشيرًا إلى أن إحدى الطائرات المسيّرة سقطت قرب قرية سريدني المجاورة للقاعدة.
عمليات منسّقة على أربع قواعد عسكرية
مصدر في جهاز الأمن الأوكراني كشف أن الضربات التي نُفذت الأحد جاءت ضمن “عملية خاصة واسعة النطاق” خُطِّط لها مسبقًا، واستهدفت أربع قواعد جوية عسكرية منتشرة في مناطق مختلفة من روسيا، بما في ذلك مطار أولينيا الواقع في المنطقة القطبية الشمالية، على بُعد نحو 1900 كيلومتر من الحدود الأوكرانية.
وأشار المصدر إلى أن العملية أسفرت عن تدمير أو إلحاق أضرار بـ41 طائرة روسية، معظمها يُستخدم في تنفيذ غارات على المدن الأوكرانية. وقد أرفق المصدر مقطع فيديو قال إنه يوثق مشاهد من القاعدة المدمرة، حيث ظهرت طائرات تحترق وسط تصاعد كثيف لأعمدة الدخان.
وفي شمال روسيا، أكد حاكم منطقة مورمانسك، أندريه تشيبيس، أن “مسيّرات معادية” ظهرت في سماء المنطقة، مشيرًا إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية تم تفعيلها، دون إعطاء تفاصيل حول نتائج المواجهة.
472 مسيّرة روسية… وهجوم مضاد استثنائي
تأتي الضربات الأوكرانية ردًا على هجوم روسي ليلي وُصف بأنه الأكبر منذ بداية الحرب، حيث أعلنت كييف أن أراضيها تعرضت لإطلاق 472 طائرة مسيّرة خلال ليلة واحدة فقط، في رقم قياسي جديد يعكس تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق من جانب موسكو. ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس، مع ترقّب لوصول وفدين روسي وأوكراني إلى إسطنبول، الاثنين، من أجل عقد جولة جديدة من المفاوضات السياسية برعاية تركية.
تساؤلات حول مسار الحرب: هل بدأ فصل جديد؟
الضربات الأوكرانية في العمق الروسي تمثل نقطة تحوّل محتملة في مسار الحرب. فبعد أشهر من الدفاع والاستنزاف، باتت أوكرانيا تُظهر قدرة متزايدة على تهديد قواعد روسية استراتيجية، حتى تلك الواقعة في المناطق الأبعد عن خطوط المواجهة.
الرسالة الأوكرانية واضحة: لا مكان آمن من الرد. وفي الوقت الذي تواصل فيه روسيا شن ضربات مكثفة على المدن الأوكرانية، خصوصًا باستخدام الطائرات المسيّرة، تحاول كييف فرض معادلة ردع جديدة تقوم على إيلام موسكو في عمقها، ليس فقط على الجبهات.
ومع استعداد الوفدين للجلوس على طاولة التفاوض مجددًا، تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الهجمات ستعزز موقع أوكرانيا التفاوضي، أم أنها ستدفع موسكو إلى تصعيد جديد ينسف آمال الوساطة. لكن المؤكد أن مشهد الطائرات المحترقة في سيبيريا لم يكن مألوفًا في قاموس الحرب، وربما يفتح الباب أمام مرحلة مختلفة كليًا من الصراع.