إيتمار بن غفير لا يُمكن فهم دوره السياسي الحالي من دون العودة إلى جذوره الأيديولوجية التي تأسست في قلب التطرّف الديني اليهودي القومي، المنحدر من إرث حركة “كاخ” الإرهابية التي دعت بشكل صريح إلى طرد العرب من “أرض إسرائيل الكبرى” واستخدمت نصوصاً دينية لتبرير العنف والعنصرية. هذا الرجل، الذي بدأ تاريخه العلني بحمل شعار سيارة رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين مهدداً باغتياله، أصبح بعد ثلاثة عقود وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ويتحكم اليوم في شرطة القدس وقواتها التي تمارس القمع اليومي ضد الفلسطينيين.
رأس حربة مشروع تهويد القدس
بن غفير هو نموذج صارخ لتحول التطرف في إسرائيل من هامش مشاغب إلى قلب السلطة. شخصية بدأت في الشارع، داخل مستوطنات متطرفة كـ”كريات أربع”، وارتبطت برموز إرهابية مثل باروخ غولدشتاين، أصبحت اليوم من أبرز مؤسسي الأجندة السياسية لليمين الصهيوني الجديد الذي يسعى علناً لتهويد القدس، وتغيير الواقع الديموغرافي والرمزي في المدينة المقدسة.
يُمثل بن غفير اليوم رأس حربة مشروع تهويد القدس المحتلة، ليس فقط من خلال موقعه الرسمي، بل من خلال استخدام سلطته لتكريس سياسات الإقصاء والطرد ضد الفلسطينيين، سواء عبر اقتحامات المسجد الأقصى، أو عبر تسهيل الهجمات الاستيطانية، أو حتى بتوفير الغطاء القانوني للمستوطنين المعتدين. وجوده في الحكومة يُترجم مباشرة إلى زيادة وتيرة هدم المنازل في القدس الشرقية، تسريع عمليات التهويد في البلدة القديمة، قمع التظاهرات الفلسطينية، والتضييق على الأوقاف الإسلامية والمسيحية.
تصوير العرب كأعداء
دور بن غفير لا يقتصر على الإدارة، بل يمتد إلى صناعة التحريض. خطابه السياسي يقوم على تصوير العرب كأعداء وجوديين، وتبرير استخدام العنف ضدهم بوصفه “دفاعاً عن النفس القومية”. هذه الأيديولوجية تمنح غطاءً أيديولوجياً لمنطق الدولة العنصرية، وتُشرعن الإجراءات الميدانية على أنها جزء من معركة بقاء تتطلب “الحسم” لا التسوية.
صعود بن غفير لم يكن معزولاً عن التحولات الكبرى في المجتمع الإسرائيلي، الذي بات أكثر تطرفاً ودينياً وقومياً، وابتعد تدريجياً عن الخطاب العلماني أو السلامي الذي كان يروّج له في التسعينيات. بن غفير، بهذا المعنى، ليس حالة فردية، بل تعبير عن تحول بنيوي يُحوّل المستوطنين إلى مشرعين، والمتطرفين إلى رجال دولة، والتاريخ الدموي إلى منصة حكم.
التعددية الدينية
المفارقة أن هذا الرجل، الذي لم يُسمح له في السابق حتى بالالتحاق بنقابة المحامين أو الجيش، أصبح اليوم مسؤولاً عن الشرطة، وعن واحدة من أكثر المدن حساسية في العالم، ويمتلك أدوات فعلية لإعادة تشكيل معالم القدس وفرض واقع جديد على الأرض. هو نتاج مشروع صهيوني قرر ألا يكتفي بالاستيطان، بل أن يُخضع القدس بكاملها لهيمنة عقائدية عنصرية، تستخدم القانون كأداة قمع، والدين كسلاح استيطاني.
إن دور بن غفير في مخطط تهويد القدس ليس طارئاً، بل مركزي ومقصود. إنه يلعب دور “المعجّل” في مشروع استراتيجي قائم منذ سنوات، لكنه اليوم بات يمتلك شرعية سياسية وانتخابية تسمح له بتنفيذه دون عوائق. ومن هنا، فإن خطره لا يقتصر على الفلسطينيين، بل على مستقبل القدس كمدينة للتعددية الدينية، وكقضية دولية لم تُحل، وعلى صورة إسرائيل نفسها كدولة تحوّلت من ديمقراطية مظهرية إلى نظام يقوم على التطهير العرقي الممنهج.