مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، التي جاءت بدعم عربي ودولي غير مسبوق، بدأ يتصاعد الحديث مجددًا عن ضرورة حسم ملف سلاح “حزب الله”، الذي ظل لعقود خارج سيطرة الدولة، يشكّل دولة داخل الدولة ويُبقي القرار السيادي مرتهنًا لمحور خارجي تقوده إيران.
اليوم، ومع تراجع الحضور الإيراني نسبيًا في لبنان بفعل الضغوط الاقتصادية والسياسية، واحتدام المواجهة الإقليمية في أكثر من ساحة، تبدو بيروت وكأنها أمام فرصة تاريخية، لكنها أيضًا محفوفة بالمخاطر.
الحكومة الجديدة، على غير العادة، تُظهر لهجة واضحة تجاه استعادة السيادة، وتتحدث عن ضرورة احتكار السلاح بيد الدولة، ضمن رؤية تُفهم على أنها محاولة لإغلاق مرحلة هيمنة “حزب الله” على القرار اللبناني.
هذا التحوّل ليس فقط نتيجة إرادة داخلية، بل يأتي مدعومًا بمناخ عربي داعم لإعادة لبنان إلى محيطه الطبيعي، وتنامي قناعة دولية بأن استمرار الوضع القائم لم يعد ممكنًا.
لكن، بالرغم من هذه المؤشرات، يبقى خيار نزع سلاح الحزب معقدًا للغاية، لأنه يتجاوز الحسابات الأمنية أو القانونية، ليدخل في عمق التوازنات الطائفية والتاريخية في لبنان. أي محاولة مباشرة لسحب السلاح بالقوة أو فرضه دون توافق واسع، قد تفتح الباب على صراع أهلي لا أحد يريد العودة إليه، لا محليًا ولا دوليًا.
مع ذلك، يبدو أن التعايش مع هذا الواقع لم يعد خيارًا دائمًا. لبنان يدفع ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا باهظًا بسبب ازدواجية السلطة، ووجود ميليشيا مسلحة مرتبطة بمحور خارجي، تضع البلاد في مواجهة دائمة مع المجتمع الدولي ومع الأشقاء العرب. وقد بات واضحًا أن استمرار الحزب بوضعه الحالي، سيُبقي لبنان معزولًا، عاجزًا عن النهوض، بل مهددًا بالانفجار في أي لحظة.
ربما لن يحدث “نزع السلاح” دفعة واحدة، وربما لن يكون عبر قرار فوقي مباشر أو مواجهة مفتوحة، لكن الثابت أن لبنان لا يمكن أن يستقر أو يتعافى دون المرور، عاجلاً أو آجلاً، إلى مرحلة “ما بعد حزب الله”. فالمسألة لم تعد مسألة سلاح فقط، بل تتعلق بطبيعة الدولة نفسها: هل هي دولة مدنية قادرة على فرض سلطتها وسيادتها على كامل أراضيها، أم كيان هش يخضع لتوازنات طائفية وقوى أمر واقع؟
ومع أن الكلفة قد تكون مرتفعة، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، فإن تجاهل هذا الاستحقاق سيُبقي لبنان معلقًا في دائرة الانهيار، رهينة حسابات إقليمية لا تترك له فرصة للنهوض. إذًا، “ما بعد حزب الله” ليس شعارًا انتقاميًا، بل ضرورة تاريخية للدولة، حتى تُعيد إنتاج نفسها على أسس السيادة والعدالة والمساواة بين مواطنيها.