في مشهد اعتبره كثيرون استفزازًا جديدًا، رفعت القوات الإسرائيلية أمس علمين كبيرين في منطقة الوزاني، الواقعة جنوب شرقي بلدة الخيام، في خطوة تعكس تماديها في التوغلات الحدودية وفرض الأمر الواقع.
أحد العلمين ارتفع على سارية فوق تلة استراتيجية احتلتها إسرائيل نهاية الحرب الأخيرة، وتطلّ مباشرة على نهر الوزّاني، بينما تم تثبيت العلم الآخر على ساتر ترابي مقابل الأراضي اللبنانية، في مشهد يوحي بسياسة “الرموز المرفوعة” لترسيخ الاحتلال وتأكيد السيطرة.
تأتي هذه الخطوة في سياق التصعيد المتواصل منذ أشهر بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، خاصة بعد القصف المتبادل الذي طال مناطق حدودية عدة، ما أجج المخاوف من انفجار وشيك.
اليونيفيل في مرمى الغضب الشعبي
لم يكن التوتر محصورًا في المواجهات بين الطرفين المسلحين فقط، بل امتد ليطال قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان. فقد اعترض عدد من الأهالي في بلدة ياطِر على مرور دورية تابعة للقوة الدولية، متهمين إياها بـ”دخول أملاك خاصة دون إذن الجيش اللبناني”، رغم أن التعديلات الأخيرة على مهام اليونيفيل تخوّلها التحرك بشكل مستقل.
الواقعة تعكس حجم التحديات التي تواجهها البعثة الأممية في بيئة مشحونة بالتوتر، ووسط اتهامات من بعض السكان بالتقاعس أو الانحياز.
الدولة اللبنانية في مأزق: السلطة مربكة والشارع يغلي
ما بين التصعيد الإسرائيلي والغضب الشعبي من اليونيفيل، تجد الدولة اللبنانية نفسها أمام مأزق حقيقي: سلطة ضعيفة، وانتشار عسكري محدود، وخطاب داخلي منقسم حول سبل المواجهة أو الاحتواء.
الجيش اللبناني، رغم تعزيزه لبعض النقاط الحدودية، لا يملك حرية التحرك الواسعة، لا سياسياً ولا لوجيستياً، فيما تتركز الأنظار على أداء الحكومة تجاه تصعيد قد ينفلت في أي لحظة.
رئيس الجمهورية: “الاعتداءات لن تمرّ بلا رد سياسي”
في أول تعليق رسمي، قال رئيس الجمهورية اللبنانية إن “رفع أعلام الاحتلال على الأراضي اللبنانية انتهاك جديد للقرار 1701، ولن نسمح بتكريسه كأمر واقع”. وأضاف في بيان صدر عن القصر الجمهوري أن “لبنان سيواصل رفع الصوت في المحافل الدولية، ويدعم الجيش في حماية السيادة”.
الرئيس اللبناني شدد أيضًا على أهمية الحفاظ على التنسيق مع اليونيفيل “رغم بعض الحساسيات”، معتبرًا أنها “لا تزال حاجة ملحة لضبط الحدود ومنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة”.
التصعيد محسوب.. لكن الهامش يضيق
يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر أن ما يجري “جزء من حرب نفسية إسرائيلية تهدف إلى اختبار صبر حزب الله والضغط على الدولة اللبنانية لتقديم تنازلات”. ويضيف: “رفع الأعلام على مواقع محتلة هو تكتيك رمزي لكن رسالته واضحة: نحن هنا ولن نغادر”.
في المقابل، تحذر الدكتورة نادين خوري، الباحثة في العلاقات الدولية، من أن “استفزاز الأهالي لقوات اليونيفيل قد يعزز السردية الإسرائيلية بأن الجنوب خارج سيطرة الدولة، ما يضعف الموقف اللبناني في مجلس الأمن”.
وتدعو خوري إلى “ضرورة تفعيل الدبلوماسية اللبنانية، والتنسيق العسكري الميداني، قبل أن تنفلت الأمور وتضيع البوصلة”.
بين الرمزية والمواجهة.. الجنوب في عين العاصفة
بين أعلام ترفرف وسكان غاضبين، وجيش محدود الصلاحيات، تواجه الدولة اللبنانية أحد أكثر الملفات حساسية منذ سنوات. ومع تزايد الخروقات الإسرائيلية وارتفاع منسوب الاحتقان، يبدو الجنوب اللبناني كمنطقة معلّقة بين الحرب الباردة والتفجر المحتمل.
فهل تنجح بيروت في ضبط الإيقاع؟ أم أن “العلم الإسرائيلي في الوزاني” سيكون شرارة لمشهد أكبر؟!.