ما يحدث في بلدتي كفر الديك وبروقين غرب سلفيت لا يمكن قراءته بمعزل عن مشروع أكبر تتبناه إسرائيل في الضفة الغربية، وهو مشروع يهدف بشكل ممنهج إلى تفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية، وضرب مقومات الصمود الأساسية، وعلى رأسها التعليم. العدوان الإسرائيلي المستمر منذ سبعة أيام، والذي طالت تداعياته المدارس والمعلمين والطلبة، يكشف عن نية واضحة لتدمير الحقل التعليمي لا باعتباره هدفًا عسكريًا، بل كأداة استراتيجية لإضعاف الأجيال القادمة وتفريغ الأرض من طاقاتها.
سياسات العقاب الجماعي
إغلاق المدارس، ترويع الطلبة، مداهمة المؤسسات التعليمية، تخريب محتويات الصفوف، وملاحقة الكوادر التربوية، ليست تصرفات فردية أو أخطاء عملياتية كما يحاول الاحتلال أن يصوّرها. بل هي أفعال موجهة تستهدف بشكل مباشر بنية التعليم في الضفة الغربية، وتأتي في إطار أوسع من سياسات العقاب الجماعي، وتجريف المستقبل الفلسطيني تحت غطاء “الأمن”.
حرمان الطلبة من حقهم في الوصول إلى مدارسهم لا يعني فقط انقطاعهم عن التعليم لفترة مؤقتة، بل هو استهداف لبنية ذهنية ونفسية طويلة الأمد، تسعى إسرائيل إلى كسرها. تعطيل الدراسة يعني ضرب التماسك الأسري، ونشر القلق والخوف بين الأطفال، وتعميق العزلة، وتحويل اليوم الدراسي إلى مشهد من الرعب. وهذه ليست نتائج جانبية، بل جزء من أدوات الاحتلال في خلق بيئة خانقة تطرد الفلسطيني من أرضه ومعنوياته.
تدمير مقومات البقاء الفلسطيني
وما يُضاعف من خطورة هذا المخطط هو استهداف جميع مراحل التعليم: من رياض الأطفال، مرورًا بالمدارس الابتدائية والثانوية، وصولاً إلى الطلبة الجامعيين الذين لم يعد بمقدورهم الوصول إلى جامعاتهم. هذا الحصار التعليمي المتعدد المستويات يعكس استراتيجية تقوم على حرمان الفلسطيني من أدوات النهوض، وتحويل الحياة اليومية إلى دوامة من الحصار الجسدي والنفسي، تجعل من التعليم ترفًا لا يمكن الوصول إليه.
في هذا السياق، تتجلى خطورة إسرائيل ليس فقط كقوة احتلال، بل كقوة تدمير منظم لمقومات البقاء الفلسطيني. التعليم في الضفة الغربية ليس فقط وسيلة للمعرفة، بل هو مشروع وطني للمقاومة الثقافية والتربوية. واستهدافه يعني استهداف الحلم الفلسطيني بالتحرر والسيادة.
الصمود التربوي
ورغم كل هذا، فإن ما يبعث على الأمل هو إصرار الطواقم التعليمية والأهالي في سلفيت على استمرار العملية التعليمية، حتى من خلف الشاشات، في مشهد يعكس إرادة لا تنكسر. هذا الصمود التربوي يؤكد أن الاحتلال قد يُغلق الأبواب، لكنه لا يستطيع إغلاق العقول.
مع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: إلى متى سيبقى المجتمع الدولي يتجاهل هذا النوع من الجرائم الصامتة؟ فالحرب على التعليم، وإن كانت لا تُرى بالصور الدامية المعتادة، إلا أنها حرب تدمّر شعبًا بأكمله من الداخل، جيلاً بعد جيل.