في تطور لافت يعكس تصعيداً جديداً في التوتر بين إسرائيل والحوثيين، دمّرت غارة إسرائيلية، ضمن ما وصفته تل أبيب بموجة “الردع التاسعة”، آخر طائرة مدنية كانت تعمل في مطار صنعاء، مما أدّى إلى توقف كامل في عمليات المطار حتى إشعار آخر، ودخول مناطق سيطرة الحوثيين في عزلة جوية شاملة.
وقالت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إن هذا التطور عطّل عملية تفويج عشرات الحجاج اليمنيين، واصفة موقف جماعة الحوثي بـ”غير المسؤول”. وزير الأوقاف اليمني، الدكتور محمد بن عيضة شبيبة، أكّد في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط أن الحكومة تعمل على تفويج الحجاج عبر المعابر البرية، بعد أن أصر الحوثيون على عدم قبول أي بدائل أو وساطات لنقل الطائرات إلى مطارات أكثر أماناً.
الحوثيون تحت الحصار.. والمطار سيُدمَّر مراراً
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن في بيان ناري فرض حصار جوي وبحري شامل على جماعة الحوثي، متوعدًا بمزيد من الضربات للموانئ والمطارات، ومؤكداً أن مطار صنعاء لن يعود آمناً أبداً طالما استمرت الهجمات الحوثية. وأضاف: “البنى التحتية الاستراتيجية للحوثيين ستكون أهدافًا متكررة”.
هذا الإعلان يأتي في ظل اتهامات إسرائيلية متكررة لإيران بالوقوف خلف الهجمات الحوثية، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “الحوثيين مجرّد أداة بيد إيران”، في إشارة إلى البُعد الإقليمي للصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر واليمن.
ضربة تكميلية: تدمير متعمد أم سياسة استنزاف
الهجوم الإسرائيلي الأخير ليس الأول من نوعه، إذ سبق أن استهدفت تل أبيب مطار صنعاء في 6 مايو (أيار) ودمرت ثلاث طائرات مدنية دفعة واحدة، في حين نجت الطائرة الرابعة لوجودها في مطار أردني حينها. ومع تدمير هذه الأخيرة، بات المطار خالياً من أي وسيلة طيران مدني، ما يُعد ضربة مزدوجة للجماعة المسلحة من جهة، ولليمنيين المدنيين من جهة أخرى.
يقول محللون إن إسرائيل تسعى إلى تجريد الحوثيين من أي رمزية سيادية، وأن استهداف الطائرات المدنية يحمل رسالة مزدوجة: شلّ حركة الجماعة وعزلها دوليًا، إلى جانب الضغط على إيران عبر ضرب حلفائها الإقليميين.
الحوثيون بين التصعيد والعزلة.. والحوكمة تحت الاختبار
في الوقت الذي يتمسّك فيه الحوثيون بخطاب الدعم للفلسطينيين، يرى مراقبون أن الجماعة تخسر على الصعيد الداخلي، خصوصاً مع تعطّل الخدمات الأساسية وتصاعد الغضب الشعبي نتيجة تعنّت القيادة الحوثية ورفضها للحلول الوسط.
الرفض الحوثي لمقترحات نقل الطائرات إلى مطارات بديلة داخل اليمن أو خارجه، كما كشف الوزير شبيبة، يعكس – وفق مراقبين – مراهنة الجماعة على استمرار التوتّر الإقليمي لإطالة عمر سلطتها، ولو على حساب ملايين اليمنيين.
اليمن بين فكّي كماشة: حرب إقليمية ومعاناة مدنية
مع استمرار الحرب في غزة وامتدادها إلى البحر الأحمر واليمن، يبدو أن اليمن يدفع ثمناً باهظاً لصراع لا يملك أدواته. فبينما تستعرض إيران قوتها عبر وكلائها، وترد إسرائيل عبر ضربات مباشرة، يبقى المدني اليمني هو الخاسر الأكبر، محرومًا من حرية التنقل، والخدمات، بل حتى من أداء فريضة الحج.
ومع غياب آفاق التهدئة، يبدو أن مطار صنعاء لن يعود إلى العمل قريبًا، وأن إسرائيل ماضية في استراتيجيتها الجديدة وهي ضرب الأذرع قبل الرأس.