أعلنت إيران عن تنفيذ موجة جديدة من القصف الصاروخي المكثف استهدفت مواقع داخل العمق الإسرائيلي، وذلك بعد إطلاق أكثر من 100 صاروخ باليستي ومجنح، في تصعيد دراماتيكي يعكس انتقال المواجهة بين الطرفين إلى طور غير مسبوق من العنف والتحدي العلني.
وكالة “تسنيم” الإيرانية، المعروفة بقربها من الحرس الثوري، أفادت أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت طائرتين حربيتين إسرائيليتين دخلتا المجال الجوي الإيراني، وتم أسر أحد الطيارين، في تطور وصفته الوكالة بأنه “نقطة تحول في قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي”.
في هذه الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي عبر منصة “إكس” أن “إسرائيل كلها تحت نيران العدو”، في إقرار نادر بحجم التهديد الواسع الذي تتعرض له البلاد، مع تأكيد أن الهجوم ينفذ عبر عشرات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تستهدف مختلف المناطق الإسرائيلية.
هذا التصريح لا يعكس فقط خطورة الموقف العسكري، بل يشير كذلك إلى حالة من الارتباك الاستراتيجي داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي وجدت نفسها في وضع دفاعي شامل لم تختبره منذ عقود. التصريح العلني بأن كامل إسرائيل تحت النار، يمثل اعترافًا غير مألوف بفشل الردع التقليدي، ويُبرز هشاشة المعادلة الأمنية التي طالما اعتمدت عليها تل أبيب لاحتواء التهديدات من طهران ووكلائها.
وفي خطاب متلفز تزامن مع القصف، أطلق المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، تهديدات مباشرة وغير مسبوقة، قال فيها إن “الهجوم الإسرائيلي الأخير سيكون بداية دمار الدولة اليهودية”. وأضاف: “إسرائيل شنت حربًا، وإيران لن تغض الطرف عنها. الأمة تقف وراءنا، خلف القوات المسلحة، وإن شاء الله، ستهزم الجمهورية الإسلامية النظام الصهيوني”.
خطاب خامنئي لا يمكن فهمه فقط في سياق التصعيد العسكري، بل هو إعلان أيديولوجي لحرب وجودية يرى فيها النظام الإيراني أنها حتمية، وأنها تتجاوز الحسابات العسكرية إلى مستوى “المواجهة المصيرية” بين ما تعتبره طهران “محور المقاومة” و”الكيان الغاصب”. حديث المرشد عن “الأمة” التي تقف خلف إيران، يحمل رسائل مبطنة موجهة لحلفائها في المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، وقد يُقرأ كإشارة ضمنية لتوسيع دائرة المواجهة إذا استدعى الأمر.
الرد الإيراني بهذا الحجم والطابع الاستعراضي، لا يهدف فقط إلى الثأر أو استعادة الردع، بل يبعث برسائل محسوبة لأكثر من طرف: إلى الداخل الإيراني لتكريس صورة الصمود في وجه العدوان؛ إلى إسرائيل لكسر هيبتها العسكرية؛ وإلى واشنطن والعواصم الغربية بأن طهران مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء إذا تمادت إسرائيل في خرقها لقواعد اللعبة.
أما في إسرائيل، فإن هذا التصعيد يضع الحكومة أمام لحظة حرجة تتطلب حسمًا سريعًا بين خيارين كلاهما مكلف: الرد المباشر على إيران، مما قد يقود إلى حرب شاملة غير مضمونة النتائج، أو السعي إلى التهدئة، وهو ما سيُفسر كضعف وقد يُعرض الحكومة لضغوط داخلية هائلة، خصوصًا من المعارضة والشارع الإسرائيلي الذي بات يشعر بأن الأمن الشخصي والمجتمعي بات في مهب الريح.
المرحلة المقبلة ستتوقف بشكل كبير على نوعية الرد الإسرائيلي، وعلى المدى الذي تسمح به الولايات المتحدة في إطار ضبط الإيقاع الإقليمي. لكن الثابت أن الشرق الأوسط اليوم دخل مرحلة جديدة من التصعيد، حيث لم تعد الحرب تدار بالوكالة أو عبر ضربات محدودة، بل باتت المواجهة تتخذ طابعًا مباشرًا وجريئًا قد يعيد صياغة المعادلات الجيوسياسية في المنطقة لعقود قادمة.