في تطور لافت يعكس حدة التصعيد بين طهران وتل أبيب، لوّحت إيران بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي للطاقة العالمية، في خطوة قد تُربك حركة التجارة الدولية وتدفع المنطقة إلى مزيد من التوتر.
يأتي هذا التهديد في أعقاب المناورات العسكرية الواسعة التي اختتمها الجيش الإيراني اليوم، والتي حملت رسائل صريحة للخصوم في البحر والجو والبر.
مناورات “ذو الفقار 1400”: رسالة ردع شاملة
اختتمت القوات الإيرانية اليوم السبت، مناورات شاملة أُطلق عليها اسم “ذو الفقار 1400″، جرت في منطقة تمتد من مضيق هرمز إلى شمال المحيط الهندي مروراً ببحر عُمان.
وشاركت في المناورات وحدات من القوات البحرية والجوية والبرية، إضافة إلى الدفاع الجوي، في ما وصفته طهران بأنه “عرض للقوة في وجه التهديدات المتصاعدة”.
وتأتي هذه المناورات في وقت حساس، إذ تشهد المنطقة تصعيدًا حادًا بين إيران وإسرائيل عقب الهجمات العسكرية الأخيرة التي تبادلتها الدولتان، وسط مخاوف من انزلاق المواجهة إلى صراع إقليمي مفتوح.
البرلمان الإيراني: ندرس إغلاق المضيق بجدية
في تصريح أثار ردود فعل دولية متباينة، قال إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إن بلاده تدرس بجدية خيار إغلاق مضيق هرمز، وذلك في ظل ما وصفه بـ”العدوان الإسرائيلي السافر”.
وأكد كوثري، في تصريحات نقلتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، أن هذا القرار سيكون رداً مشروعاً على أي تهديد لأمن إيران وسيادتها، مشيراً إلى أن جميع السيناريوهات مطروحة على الطاولة لحماية مصالح البلاد.
مضيق هرمز: شريان النفط العالمي في مهبّ الريح
يُعد مضيق هرمز، الواقع بين إيران وسلطنة عمان، من أكثر الممرات المائية أهمية في العالم، إذ يمرّ عبره نحو ثلث الإنتاج النفطي العالمي المنقول بحراً.
ويمثّل المضيق منفذ الخليج العربي الوحيد إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وهو ما يجعله ورقة استراتيجية في يد طهران خلال أي تصعيد سياسي أو عسكري.
وسبق لإيران أن لوّحت بإغلاقه خلال أزمات سابقة، كما حدث في أزمة البرنامج النووي عام 2012، وهو تهديد تعتبره بعض الدول الغربية “خطاً أحمر” بسبب تأثيره المباشر على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة.
عودة إلى التاريخ: حين أُغلق المضيق في حرب 1973
تاريخياً، لم يكن التلويح بإغلاق مضيق هرمز وليد اللحظة، وفقد لعب المضيق دوراً محورياً في حرب أكتوبر 1973، عندما قررت الدول العربية المنتجة للنفط وقف تصديره إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، رداً على دعمها لإسرائيل.
وقد ساهمت تلك الخطوة حينها في إحداث صدمة في أسواق النفط العالمية، وأكدت أن التحكم بمسارات الطاقة قد يكون سلاحًا جيوسياسيًا فاعلًا.
ردود دولية: تحذيرات من زعزعة الاستقرار
حتى الآن، لم يصدر موقف رسمي من الدول الكبرى حول تهديدات طهران الأخيرة، لكن مراقبين يتوقعون أن تدعو واشنطن والدول الأوروبية إلى التهدئة وتجنب أي خطوات أحادية من شأنها زعزعة الأمن الملاحي في الخليج.
وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية إن أي إغلاق فعلي للمضيق سيُعد انتهاكًا للقانون الدولي، وقد يُمهّد لتدخل عسكري من قبل تحالف دولي لحماية حرية الملاحة.
تحليل استراتيجي: هل تملك إيران ورقة الإغلاق فعلاً
ورغم التهديدات المتكررة، يرى خبراء أن تنفيذ قرار إغلاق مضيق هرمز فعلياً قد يضر إيران بقدر ما يضر خصومها، نظرًا لاعتماد طهران أيضاً على تصدير نفطها عبر نفس المسار.
لكنهم يشيرون إلى أن التهديد وحده كافٍ لهز الأسواق وبثّ القلق في العواصم الغربية، وهو ما قد تستخدمه إيران كوسيلة ضغط تكتيكية دون اللجوء للإغلاق الكامل.
وتبقى احتمالات التصعيد مفتوحة، لا سيما مع استمرار الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، في وقت تبدو فيه الوساطات الدولية غير قادرة حتى اللحظة على وقف الانزلاق نحو مواجهة شاملة.
الخليج على صفيح ساخن
وبين المناورات العسكرية والتهديدات الاستراتيجية، تُدير إيران معركتها ضد إسرائيل وأعدائها الإقليميين والدوليين على عدة جبهات: الأرض، والجو، والبحر، وحتى الطاقة.
ومع كل خطوة تصعيدية، يبدو أن مضيق هرمز لن يبقى مجرد ممر مائي، بل قد يتحول إلى ساحة اشتباك اقتصادي وعسكري، ستطال ارتداداته العالم بأسره.