أعاد الملياردير الأميركي إيلون ماسك إشعال الجدل السياسي-الاقتصادي في واشنطن، بعدما وجّه انتقادات حادة لمشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي يدعمه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي تستعد لجنة في مجلس الشيوخ لطرحه للتصويت في الأيام المقبلة.
ووصف ماسك، في منشور عبر منصة “إكس”، الصيغة الحالية من مشروع القانون بأنها “مجنونة ومدمرة تمامًا”، محذرًا من أنها ستؤدي إلى فقدان ملايين الوظائف، وتلحق “ضررًا استراتيجيًا هائلًا” بالولايات المتحدة، في موقف قد يعيد التوتر إلى العلاقة المتقلبة بين الرجلين، رغم محاولات التهدئة التي جرت في الأسابيع الماضية.
الرؤية الجمهورية والعودة إلى “ميراث ترامب”
مشروع القانون، الممتد على 940 صفحة، يشكّل امتدادًا للتخفيضات الضريبية التي أُقرّت عام 2017 خلال فترة رئاسة ترامب، والتي اعتُبرت آنذاك إحدى أكبر إنجازاته الاقتصادية. وتشمل التعديلات المقترحة تمديد تلك التخفيضات، وإضافة حوافز جديدة لقطاعات تقليدية، بالتوازي مع زيادات في الإنفاق الدفاعي وأمن الحدود.
أنصار ترامب يرون في المشروع تحفيزًا ضروريًا للنمو والاستثمار، خاصة في مرحلة ما بعد الجائحة، فيما تصفه حملته بأنه “خارطة طريق لاستعادة أمريكا من فوضى إدارة بايدن”. لكن هذا التفاؤل الجمهوري يصطدم بانتقادات واسعة من خارج المعسكر الديمقراطي، ومن شخصيات اقتصادية نافذة، أبرزها ماسك، الذي يرى أن القانون يخدم الصناعات القديمة على حساب الابتكار.
صناعات المستقبل تُقصى؟
يرى ماسك أن القانون الجديد يوجه الدعم والامتيازات الضريبية إلى قطاعات فقدت زخمها التاريخي، كصناعات النفط والفحم، بينما يتجاهل القطاعات الواعدة التي تُعد ركيزة الاقتصاد الأميركي المستقبلي، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية.
وهنا يكمن جوهر اعتراضه، إذ يبدو أن ماسك لا ينتقد فقط الأثر المباشر للقانون على السوق، بل ما يعتبره تحوّلًا استراتيجيًا معاكسًا لطموحات ريادة أميركا في التكنولوجيا. وهو بذلك يعيد النقاش حول طبيعة الاقتصاد الأميركي الذي يتردد بين دعم التقليدي والرهان على التحوّلي.
بين الشعبوية والمخاوف الاقتصادية
ماسك، المعروف بخطابه الصادم أحيانًا، لا يتحدث هذه المرة من منطلق إيديولوجي محض، بل يستند إلى أرقام. إذ تُشير تقديرات غير حزبية إلى أن الصيغة التي أقرّها مجلس النواب الشهر الماضي قد تضيف نحو 3 تريليونات دولار إلى الدين العام، الذي بلغ 36.2 تريليون دولار حتى الآن.
ورغم أن النسخة المعروضة على مجلس الشيوخ ما زالت عرضة للتعديل، فإن مكتب الميزانية في الكونغرس لم يُصدر بعد تقييمًا رسميًا لتكلفتها النهائية، ما يزيد من القلق بشأن مدى تأثيرها على الاستقرار المالي في المدى المتوسط.
في المقابل، يرى مؤيدو الخطة أن التركيز على الدين العام في هذا التوقيت يُضيّع البوصلة عن أولويات الأمن القومي والقدرة التنافسية، معتبرين أن أي تكلفة مالية ستقابلها مكاسب استراتيجية على المدى الطويل، عبر إعادة تمكين قطاعات تشكل العمود الفقري للاقتصاد القومي بحسب تعبيرهم.
من انتقاد فردي إلى صراع على هوية أميركا الاقتصادية
في العمق، لا يمكن فصل هجوم ماسك عن معركة أوسع حول هوية الاقتصاد الأميركي. هل يجب أن تستمر الدولة في دعم الصناعات التقليدية التي تشكل قاعدة الناخبين الجمهوريين في ولايات الوسط؟ أم يجب إعادة توجيه الدعم نحو القطاعات الجديدة التي تُمثّل قوة أميركا المستقبلية؟
من الواضح أن القانون المطروح لا يحظى بإجماع اقتصادي حتى بين صفوف الجمهوريين، حيث تبرز خشية من أن يؤدي إلى تآكل القاعدة الإنتاجية الحديثة لصالح حسابات سياسية انتخابية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومع أن موقف ماسك قد لا يُغير مسار التصويت في مجلس الشيوخ، إلا أنه يُعيد إلى الواجهة مسألة العلاقة بين الرأسمال التكنولوجي والسلطة السياسية، ويُطرح سؤالاً عريضًا: إلى من تنحاز الدولة عندما تتصادم الرؤى؟ للناخب التقليدي أم للمبتكر المستقبلي؟