في تطور مفاجئ، أعلنت سوريا استعدادها لإعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك الموقّع مع إسرائيل عام 1974، في خطوة وُصفت بأنها “محاولة تهدئة إقليمية” وسط تصاعد التوترات على حدود الجولان، وتكثيف الضغوط الدولية بشأن الوضع الإنساني والاقتصادي داخل سوريا.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي جمع بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الأميركي ماركو روبيو، ناقش فيه الطرفان سلسلة من الملفات المعقدة، على رأسها العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق، وملف الأسلحة الكيميائية، والتدخل الإيراني، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى مستقبل العلاقات الثنائية.
دمشق تبعث برسائل تهدئة
أكد الوزير الشيباني استعداد بلاده “للانخراط في مسار تفاوضي جاد يعيد تفعيل اتفاق الهدنة الموقّع عام 1974″، معتبرًا أن “الحفاظ على الأمن الإقليمي يتطلب خطوات مسؤولة من جميع الأطراف”، وفق ما نقلته مصادر دبلوماسية رفيعة.
وبينما لم تصدر تعليقات رسمية من الجانب الإسرائيلي حتى اللحظة، تشير تقارير إعلامية إلى أن تل أبيب تتابع “بحذر” أي إشارات سورية قد تمس معادلة الردع على الجبهة الشمالية.
تحرّك أميركي لتخفيف العقوبات
من جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن واشنطن بدأت فعليًا إجراءات مراجعة “قانون قيصر”، وتعمل مع الكونغرس على صياغة إطار قانوني بديل يسمح برفع تدريجي للعقوبات خلال الأشهر المقبلة، مقابل “ضمانات أمنية وإنسانية”.
روبيو قال: “أسوأ ما يمكن أن يحدث الآن هو انقسام سوريا أو انزلاقها مجددًا إلى حرب أهلية… لذلك نحن نفتح قنوات مباشرة مع دمشق، بما يخدم الاستقرار الإقليمي”.
من أبرز ما تم الاتفاق عليه خلال الاتصال الهاتفي، تشكيل لجنة سورية ـ أميركية مشتركة لمتابعة ملف الأسلحة الكيميائية، على أن تضم ممثلين من الجانبين تحت إشراف جهات أممية. وتهدف هذه اللجنة إلى “بناء الثقة”، وفق مصادر مطلعة، و”تسوية القضايا العالقة التي تعيق تطبيع العلاقات مع الغرب”.
مستقبل إيران على الأرض السورية
اللافت أن الاتصال تطرّق صراحة إلى “ملف الوجود الإيراني في سوريا”، حيث طالبت واشنطن بتحديد دور الحرس الثوري الإيراني، وضمان عدم استخدام الأراضي السورية لتهديد دول الجوار، خاصة إسرائيل والعراق.
وفيما لم توضح دمشق تفاصيل موقفها حيال هذا المطلب، اكتفت بالإشارة إلى “سيادة القرار السوري”، مع التأكيد على أن “أي اتفاق مستقبلي سيقوم على احترام التوازنات الإقليمية”.
عودة تدريجية للعلاقات الدبلوماسية؟
مصادر متابعة للاتصال بين الوزيرين قالت إن الجانبين “استعرضا إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية على مراحل”، تبدأ بإعادة قنوات التواصل الأمني والاستخباري، ثم التدرج نحو تبادل دبلوماسي محدود.
وأضافت أن واشنطن “لا تمانع من إعادة فتح مكتب اتصال مؤقت في دمشق، إذا التزمت الأخيرة بمجموعة من الشروط المتعلقة بحماية المدنيين، والتقارير الأممية، وتقليص النفوذ الإيراني”.
قوى من المعارضة السورية أعربت عن قلقها من “أي تسوية قد تُبرم بمعزل عن مسار الحل السياسي الشامل”، محذرة من أن “العودة إلى اتفاقات قديمة دون ضمان حقوق السوريين داخل البلاد وخارجها قد تعمّق الأزمة”.
وفي المقابل، رأى محللون أن الخطوة تمثل “فرصة لالتقاط الأنفاس”، وأنها قد تفتح الباب أمام انفراجة إقليمية أوسع تشمل لبنان والعراق والأردن.
هل تمهّد الخطوة لتسوية أوسع؟
بحسب تقارير ديبلوماسية في الأمم المتحدة، فإن التحركات الأميركية ـ السورية تأتي ضمن مساعٍ أوسع لتهيئة الأرضية أمام مؤتمر دولي جديد بشأن سوريا، بدعم من أطراف عربية وأوروبية، هدفه الأساسي هو تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار، ومعالجة قضايا اللاجئين.
رغم صمت رسمي حتى الآن، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر عسكرية أن إسرائيل “تراقب بقلق أي تقارب أميركي ـ سوري”، وتخشى من أن يؤدي ذلك إلى “تخفيف القبضة الدولية على نظام الأسد” دون مقابل فعلي.
وأكدت المصادر أن الجيش الإسرائيلي لا يزال في حالة “تأهب قصوى” تحسبًا لأي تغييرات على الحدود الشمالية.
هل ينجح اختبار الثقة؟
العودة إلى اتفاقات قديمة مثل هدنة 1974 قد تبدو خطوة رمزية، لكنّها تعكس تحوّلات أعمق في المشهد السوري ـ الأميركي، خصوصًا إذا ترافقت مع رفع فعلي للعقوبات، وتقدم في ملف الكيميائي، وضبط النفوذ الإيراني.
لكن تبقى الأسئلة الكبرى قائمة: هل هذه بداية حل حقيقي؟ أم مجرد هدنة مؤقتة في انتظار صفقة أكبر؟.