سجّلت غزة حصيلة ثقيلة من القتلى والمصابين في صفوف المدنيين الذين حاولوا الوصول إلى ما يُعرف بمراكز توزيع الغذاء، التي أُطلقت في إطار “الآلية الأمريكية ـ الإسرائيلية” لتقديم المساعدات الإنسانية. وبحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يوم السبت، فقد قُتل 450 شخصًا، وأُصيب 3466 آخرون، بينما لا يزال 39 في عداد المفقودين.
واتّهم البيان الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار مباشرة على المدنيين، محذرًا من أن هذه المراكز تحولت إلى “مصائد موت” تُستدرج إليها الحشود الجائعة، لتكون هدفًا سهلاً للاستهداف العسكري.
مراكز توزيع تتحول إلى كمائن
ما كان يُفترض أن يكون نقطة إنقاذ في ظل الحصار الخانق، تحوّل ـ وفق السلطات المحلية ـ إلى فخ قاتل. فقد شدّد البيان على أن ما يسمى بـ”الآلية الأمريكية ـ الإسرائيلية” لا تساهم في حل الأزمة الإنسانية، بل تفاقمها من خلال خلق نقاط ازدحام وفوضى يستغلها الجيش الإسرائيلي لشنّ هجماته على المدنيين، بذريعة السيطرة الأمنية أو “منع تسلل عناصر مسلحة”.
وتحدثت تقارير إعلامية فلسطينية عن مشاهد مأساوية ترافق كل عملية توزيع، حيث يتجمّع آلاف الأشخاص من مختلف الأعمار في ظروف بالغة الخطورة، وسط غياب الأمن وسهولة التحوّل من طابور انتظار إلى ساحة قنص.
شهادات حقوقية: سياسة ممنهجة للتجويع والاستهداف
بدوره، قال “مركز الميزان لحقوق الإنسان” في بيان منفصل، إن إسرائيل تشن “هجمات ممنهجة” ضد المدنيين الفلسطينيين، تشمل قصف المنازل ومراكز الإيواء، وقتل أسر بأكملها، واستهداف مواقع توزيع المساعدات، ومنع إدخال المواد الأساسية.
وأشار المركز إلى أن “آلية توزيع المساعدات المفروضة عسكرياً” قد عمّقت من أزمة الجوع، لا سيما مع تزايد حوادث النهب والفوضى في مواقع التوزيع، في ظل انعدام الأمن وتقلّص الكميات المتاحة.
كما لفت إلى أن استخدام سياسة “التجويع كسلاح” بات سلوكًا ممنهجًا، لا يتوقف فقط عند منع الغذاء، بل يشمل أيضًا استهداف المستشفيات وفرق الإنقاذ، ومنع وصول الوقود والدواء.
نداء للمجتمع الدولي
في ظل هذا الوضع الإنساني المتدهور، دعا مركز الميزان المجتمع الدولي إلى “تحمّل مسؤولياته القانونية”، مطالبًا بـ”التدخل الفوري لوقف جريمة الإبادة الجماعية، وإنهاء الحصار المفروض على غزة، ومنع استخدام سياسة العقاب الجماعي والتجويع والتعطيش ضد المدنيين”.
وطالب البيان بإلغاء الآلية الحالية لتوزيع المساعدات التي وصفها بأنها “عسكرية الطابع”، والعمل على إيجاد آلية أممية مستقلة تضمن وصول آمن ومنتظم للغذاء والدواء للمحتاجين دون ربطه بأي أهداف عسكرية أو حسابات أمنية.
أزمة إنسانية في منحنى خطير
تتزامن هذه التطورات مع تصعيد في الحصار الإسرائيلي الذي أصبح أكثر إحكامًا، ما يجعل قطاع غزة يواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث. ففي ظل انهيار البنى التحتية، وتراجع خدمات الصحة والتعليم، بات الحصول على لقمة العيش في القطاع مرادفًا للموت، فيما لا تلوح في الأفق أي بوادر لحل سياسي أو إنساني شامل ينهي هذا النزيف اليومي في الأرواح.