تواجه غزة اليوم كارثة صحية وإنسانية متفاقمة تُهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال، وسط تصعيد غير مسبوق للغارات الإسرائيلية، وشلل شبه تام في المنظومة الصحية، وانهيار آخذ بالتسارع في كل مظاهر الحياة الأساسية.
أحدث فصول هذه المأساة تمثّل في إعلان وزارة الصحة في غزة عن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، والتي كانت مدعومة من الأمم المتحدة، وذلك بسبب الحصار الإسرائيلي المحكم على دخول الإمدادات الطبية واللقاحات.
هذه الحملة كان يُفترض أن تغطي أكثر من 600 ألف طفل، وهو رقم ضخم يعكس حجم الخطر الناتج عن توقف الحملة. فشل تنفيذها يعني أن قطاع غزة، الذي كان على وشك التخلص تماماً من فيروس شلل الأطفال، بات مهدداً بعودة هذا المرض الفيروسي القاتل والمُعوق، خصوصاً في ظل غياب الخدمات الوقائية والرعاية الصحية المناسبة. ومن المعروف أن شلل الأطفال ينتشر بسرعة في البيئات التي تفتقر إلى الماء النظيف والصرف الصحي – وهي ظروف تنطبق تماماً على غزة المحاصرة.
استخدام المساعدات الإنسانية كورقة مساومة
لكن المأساة لا تقف عند حدود التطعيم فقط. فقد حذّر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة “الأونروا”، من أن الإمدادات الأساسية التي يعتمد عليها سكان القطاع على وشك النفاد، مع اقتراب انتهاء صلاحية الكثير منها، في ظل غياب أي أفق لدخول مساعدات جديدة. هذه التصريحات تأتي في وقت تتعرض فيه غزة لموجة من القصف العنيف – وُصفت بأنها من الأكبر منذ أسابيع – ما يزيد من تعقيد الوضع الميداني ويجعل إيصال المساعدات شبه مستحيل.
وما يزيد من فداحة المشهد أن المساعدات الإنسانية أصبحت تُستخدم كورقة مساومة وسلاح في الحرب، وفقاً لما أكده لازاريني، الذي وصف ما يتعرض له نحو مليوني إنسان في غزة بأنه “عقاب جماعي”.
انهيار البنية التحتية
ومع تفاقم الجوع وانتشار الأمراض، تتجه غزة نحو كارثة إنسانية شاملة، تُهدد ليس فقط الأطفال غير المُطعّمين، بل النظام الصحي برمته، بما في ذلك وحدات العناية المركزة، والمرضى المزمنين، والجرحى الذين يتزايد عددهم يومياً.
في ظل هذه الظروف، تبدو غزة محاصَرة من جميع الاتجاهات: من السماء بالقصف، ومن المعابر بالإغلاق، ومن الداخل بانهيار البنية التحتية، ومن العالم بالصمت المطبق. والتبعات قد تكون وخيمة على المدى القريب والبعيد، فالأمراض لن تتوقف عند حدود القطاع، والمجاعة لن تميز بين طفل ومقاتل، والحصار لن يؤدي إلا إلى مزيد من الألم والمعاناة التي يدفع ثمنها المدنيون بالدرجة الأولى.