الهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي وُصف بأنه “انتصار مذهل” في الإعلام الرسمي، لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي المعقد الذي يواجهه بنيامين نتنياهو. فالرجل الذي قاد إسرائيل لعقود، ويُعد أطول رؤساء حكوماتها بقاءً في المنصب، يجد نفسه اليوم في مأزق سياسي غير مسبوق، يتمثل في تآكل الثقة الجماهيرية، وانقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي، وضغوط قانونية متصاعدة على خلفية اتهامات فساد، ناهيك عن إدارة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها كارثية في ملف غزة.
شعبية نتنياهو
في هذا السياق، يبدو أن توقيت الهجوم على إيران لم يكن مجرد استجابة لأزمة أمنية، بل جاء في لحظة سياسية حساسة تُرجّح فرضية توظيفه كأداة سياسية لرفع شعبية نتنياهو واستعادة زمام المبادرة، خاصة بعد فشله في تحقيق أي اختراق حاسم في الحرب على غزة، لا عسكريًا ولا سياسيًا. هذا التوجه لم يكن مستترًا، فقد وظّف نتنياهو الخطاب العسكري في مؤتمراته الإعلامية ليقدم نفسه باعتباره القائد الوحيد القادر على التعامل مع “التهديدات الوجودية” مثل إيران، و”تحقيق النصر” في الوقت الذي يعجز فيه خصومه عن اتخاذ قرارات مصيرية.
لكن هذا “النجاح” المزعوم في إيران لم يُترجم إلى مكاسب سياسية واضحة على الأرض. فاستطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة تُظهر بوضوح أن شعبية نتنياهو لم تنتعش بعد الهجوم، وأن غالبية الإسرائيليين ما زالوا يرغبون في وقف الحرب على غزة، ويرون أن استمراريتها باتت مرتبطة باعتبارات نتنياهو الشخصية أكثر من كونها مصلحة وطنية. الأسوأ من ذلك أن 49٪ من المستطلعة آراؤهم يرون أن السبب الرئيسي لاستمرار الحرب هو حماية نتنياهو لمكانته السياسية.
فشل نتنياهو في إدارة حرب غزة
هذه الأرقام تضعف أي محاولة لصرف النظر عن الأزمة الداخلية عبر “انتصار خارجي”. فهي تُظهر أن الرأي العام بات يقرأ جيدًا العلاقة بين التصعيد العسكري والحسابات السياسية الشخصية. ويؤكد ذلك ما صرّح به محللون، بأن الهجوم على إيران قد يكون أخطر على نتنياهو سياسيًا من أي مخاطرة عسكرية، لأنه يكشف استغلاله للأمن القومي لتغطية فشله في إدارة الحرب بغزة.
من ناحية أخرى، فإن التناقض بين قرار نتنياهو بإفشال اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس – رغم نتائجه الإيجابية بإطلاق رهائن – وإصراره على استمرار القتال، ثم توجهه بعد ذلك لضربة ضد إيران، يعكس منطقاً سياسياً يائساً يبحث عن إنجاز سريع يمكن تحويله إلى رصيد انتخابي. وهذا ما يفسر التلميحات الأخيرة حول احتمالية إجراء انتخابات مبكرة، رغم المخاطر العالية لذلك في ظل الظروف الحالية.
تغيير المعادلة السياسية
وفي ظل استمرار المأزق في غزة، واحتجاز الرهائن، وتراجع صورة إسرائيل الدولية، وصدور مذكرات توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، فإن محاولات نتنياهو لتغيير المشهد عبر أدوات القوة العسكرية تبدو غير كافية لطمس حقيقة تآكل شرعيته السياسية. بل إنها، في بعض الأوساط، تُقرأ كتكتيك معروف من زعيم لم يعد يملك سوى “أوراق القوة الصلبة” لكسب الوقت، وتفادي الانهيار.
قد يكون الهجوم على إيران نجح تكتيكياً في ضرب أهداف محددة، لكنه فشل حتى الآن في تغيير المعادلة السياسية داخل إسرائيل. فالشعب الذي فقد ثقته في زعيمه لن تعيده ضربة خارجية إلى حاضنة الولاء، خاصة إذا كان ثمن تلك الضربة استمرار الحرب والمأساة الإنسانية في غزة، وتآكل مكانة إسرائيل الدولية، وتعميق عزلة نتنياهو داخليًا وخارجيًا.