تُشكّل سلسلة الاغتيالات التي نفذها الجيش الإسرائيلي بحق كبار قادة حركة “حماس”، وعلى رأسهم حكم العيسى، ومحمد السنوار، ومحمد الضيف، وإسماعيل هنية، ضربة مركّزة للهيكل القيادي للحركة، وتُظهر مدى تعقيد المواجهة الجارية بين إسرائيل و”حماس”. من الناحية العسكرية، من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتفكيك البنية التوجيهية للحركة عبر قتل رموزها الأكثر تأثيرًا، ممن كان لهم دور مباشر في التخطيط لهجوم 7 أكتوبر، أو في إدارة البنية العسكرية والتنظيمية لحماس.
عمليات رمزية مقابل الدمار
لكن رغم ذلك، فإن نتائج هذه الاغتيالات لا تبدو واضحة أو حاسمة كما كانت تأمل إسرائيل، لا على مستوى إضعاف قدرات الحركة، ولا على صعيد إنهاء المعركة. فالواقع أن حماس ما زالت قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية وإن كانت محدودة أو رمزية. مع ذلك، فإن ردود الحركة على هذه الاغتيالات اتسمت خلال الشهور الأخيرة بضعف نسبي في التأثير السياسي والعسكري، ما يُثير تساؤلات عن قدرة حماس على الحفاظ على تماسكها الداخلي واستمرارية خطابها المقاوم في ظل الخسائر البشرية والميدانية الهائلة.
في المقابل، تسعى “حماس” إلى الظهور بمظهر المتماسك والمنتصر، من خلال تبني عمليات رمزية أو إعلامية تُقدَّم على أنها “رد على الاحتلال” أو “انتصار للثبات”، إلا أن هذه الاستعراضات تقابلها مشاهد الموت والدمار اليومي في غزة، حيث يُقتل العشرات، ويُشرَّد مئات الآلاف، وتُدمَّر البنية التحتية بالكامل. هذا التناقض بين سردية “الصمود” والواقع الميداني المرير، يخلق فجوة تتسع تدريجيًا، ليس فقط في الخطاب الموجه للرأي العام العربي أو الدولي، بل داخل القاعدة الشعبية لحماس نفسها.
الإصرار على الخطاب التعبوي
ومع تفاقم الكارثة الإنسانية، وتزايد المجاعة، وغياب الخدمات الأساسية، وتدمير الأحياء السكنية بشكل شبه كامل، تُطرح أسئلة أخلاقية وسياسية حادة حول أولويات الحركة، ومدى مسؤوليتها – إلى جانب الاحتلال – عن استمرار هذه المأساة. فالإصرار على الخطاب التعبوي في وقتٍ يموت فيه الأطفال جوعًا، وتُقصف فيه المستشفيات، لم يعد كافيًا لإقناع قطاع واسع من الفلسطينيين بأن الحركة تُقدّم استراتيجية مقاومة ناجعة أو مآلاً معقولاً.
كما أن اغتيال قيادات بارزة، سواء عسكرية أو سياسية، يضعف دون شك قدرات الحركة على إدارة ملفات معقدة كالتفاوض على صفقة تبادل، أو إعادة هيكلة صفوفها، أو التعامل مع المجتمع الدولي في أي مرحلة لاحقة. فكل ضربة تستهدف القادة التاريخيين تُحدث فراغًا يصعب تعويضه سريعًا، خصوصًا في ظل الحرب الشاملة التي تطال المدنيين والمقاتلين على حد سواء.
اغتيال قادة حماس يضعف رأس التنظيم
وفي ضوء تعقيد الواقع الميداني، فإن حماس تبدو واقعة بين معادلتين صعبتين: إما الاستمرار في المواجهة رغم الكلفة الإنسانية الباهظة، مع خطر فقدان الزخم السياسي والشعبي، أو الدخول في تسوية مشروطة قد تُفهم كتنازل بعد التضحيات الجسيمة. وفي الحالتين، تبقى الحركة أمام تحدٍ وجودي، عنوانه: هل يمكن لحركة مقاومة أن تحافظ على شرعيتها ورصيدها السياسي إذا كانت نتائج المعركة اليومية تُسجَّل ضد المدنيين أكثر من كونها تُحقّق إنجازات استراتيجية على الأرض؟
اغتيال قادة حماس يضعف رأس التنظيم دون أن ينهي جسمه، لكن الحركة تبدو في مواجهة مأزق أكبر من الاغتيالات: مأزق القدرة على تقديم بديل مقنع لشعب يعيش تحت النار والحصار والمجاعة، في وقتٍ تنحسر فيه صور النصر خلف غبار الدمار ونحيب الأطفال.