الهجوم الإسرائيلي على خيمة للنازحين داخل محيط مستشفى شهداء الأقصى في وسط قطاع غزة، يمثل حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات الجسيمة التي تطال المنشآت الطبية والسكان المدنيين في القطاع. ما يُضفي على هذا الحادث بعدًا أكثر خطورة، هو أن القصف استهدف نقطة إيواء مؤقتة داخل حرم منشأة صحية، حيث يتواجد المرضى والمصابون والنازحون، ما يجعل الهجوم مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني الذي يُحرم المساس بالمرافق الطبية في جميع الأحوال.
ضرب مقومات الحياة في غزة
تكرار استهداف مستشفى شهداء الأقصى — للمرة الثانية عشرة منذ بدء الحرب — لا يمكن اعتباره مجرد “حادث عرضي” أو “أضرار جانبية”، بل هو سلوك ممنهج ومدروس، يهدف إلى شلّ النظام الصحي في القطاع، ودفع الطواقم الطبية والمرضى إلى الفرار، وتفريغ المشهد من أي بنية تحتية قادرة على الصمود أو تقديم خدمات إغاثية. هذا التوجه يندرج ضمن استراتيجية واضحة لضرب مقومات الحياة في غزة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل الإنساني والبُنيوي أيضًا.
البيان الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني يعكس إدراكًا لهذه المنهجية، إذ ربط ما جرى بسياق أوسع من “الإبادة الجماعية” و”استهداف البنية الصحية”، وهي توصيفات تكتسب زخمًا دوليًا متصاعدًا، خاصة في ظل التوثيق المستمر لجرائم الحرب في غزة. تحميل المسؤولية للاحتلال الإسرائيلي ومعه الإدارة الأمريكية والدول المتواطئة، يُعبّر عن احتقان سياسي وشعبي متصاعد، يعكس شعورًا بالعجز أمام استمرار هذه الانتهاكات في ظل صمت أو دعم دولي.
حماية عاجلة للمستشفيات
أمام هذه الجريمة، تظهر الحاجة الملحّة لتدخل فوري من المنظمات الإنسانية والحقوقية، لا لمجرد إصدار الإدانات، بل لاتخاذ خطوات عملية لتوفير حماية عاجلة للمستشفيات والمنشآت الطبية في غزة، باعتبارها مناطق محمية بموجب القانون الدولي. فاستمرار هذا النهج لا يهدد أرواح المدنيين فقط، بل يضرب في عمق كل ما تمثله المبادئ الإنسانية، ويُكرّس لواقع دولي يُكافأ فيه المعتدي، ويُترك الضحايا بلا سند.
إن المجتمع الدولي، بصمته أو تواطئه، يشارك فعليًا في منح الضوء الأخضر لهذه الجرائم، ما لم يترجم مسؤولياته إلى قرارات ملزمة وتحقيقات مستقلة ومساءلة واضحة. وفي ظل هذه المعادلة المختلة، لا يبدو أن صوت القانون قادر على كبح آلة الدمار ما لم يُدعم بإرادة سياسية حقيقية لإنقاذ ما تبقى من الكرامة الإنسانية في غزة.