سياسة الاعتقال العشوائي التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وتحديدًا إعادة اعتقال الأسرى المحررين، تمثل خرقًا ممنهجًا للقانون الدولي الإنساني وتكشف عن نظام عقابي جماعي متواصل يفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير القضائية والحقوقية. اعتقال الأسيرة المحررة ياسمين شعبان فجر اليوم، رغم الإفراج عنها ضمن اتفاق سابق، ليس استثناءً بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تُرتكب في غياب أي محاسبة دولية حقيقية.
تفكيك المجتمع الفلسطيني
تعتمد إسرائيل على أدوات قانونية فضفاضة مثل “الاعتقال الإداري”، الذي يتيح احتجاز الأفراد دون تهمة أو محاكمة لفترات مفتوحة قابلة للتجديد، ما يحوّل المعتقل الفلسطيني إلى رهينة سياسية. ومع تصاعد العمليات العسكرية في غزة والضفة، تكثّف سلطات الاحتلال هذه الاعتقالات ليس فقط كوسيلة للردع، بل كوسيلة للانتقام وتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل، عبر استهداف الرموز المجتمعية والمحررين والناشطين.
إعادة اعتقال المحررين الذين تم الإفراج عنهم في إطار اتفاقات أو مفاوضات – مثل ياسمين شعبان – يضرب بعرض الحائط مبدأ الالتزام بالاتفاقيات، ويُفقد هذه التفاهمات أية قيمة أو ضمانات. فهو يبعث برسالة واضحة إلى الأسرى والمجتمع الفلسطيني مفادها أن لا حرية دائمة، وأن كل فلسطيني يبقى تحت التهديد الدائم بالاعتقال حتى لو قضى محكوميته أو خرج ضمن اتفاق. هذا السلوك يهدف إلى كسر المعنويات وتعميق الشعور بعدم الأمان المستمر.
ازدواجية في تطبيق المعايير
من الناحية القانونية، تصطدم هذه الممارسات بعدة مواثيق دولية، خصوصًا اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص صراحة على حماية المدنيين في أوقات الحرب ومنع الاعتقالات التعسفية والانتقامية، وكذلك على وجوب احترام الاتفاقيات المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين. ومع ذلك، لا تواجه إسرائيل أي إجراءات رادعة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متشابكة.
أولها أن الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية توفر غطاء سياسيًا ودبلوماسيًا دائمًا لإسرائيل في المحافل الدولية، وتمنع مرور قرارات تدين هذه السياسات أو تطالب بمحاسبة حقيقية. ثانيًا، هناك تآكل في فعالية المؤسسات الدولية نفسها، مثل مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية، التي تواجه عراقيل سياسية وازدواجية في تطبيق المعايير، حيث تُمنع من التحقيق أو اتخاذ إجراءات فعالة ضد الدول المدعومة من قوى كبرى.
غياب العدالة الدولية
كما أن النظام الدولي ما زال يعاني من ازدواجية المعايير الصارخة، إذ يُطبّق القانون بحزم في حالات معينة بينما يُتجاهل تمامًا في الحالة الفلسطينية، ما يكرّس غياب العدالة الدولية ويمنح الاحتلال شعورًا مطلقًا بالإفلات من العقاب.
في هذا السياق، لا تمثل اعتقالات مثل تلك التي طالت ياسمين شعبان سوى جزء من آلية قمع أوسع، تهدف إلى إلغاء فكرة الاستقرار أو التحرر حتى بعد الخروج من السجون. وهي سياسة تستند إلى معادلة: الفلسطيني دائمًا مشروع اعتقال، ولا حصانة لأحد، لا من الاتفاقيات ولا من المحاكم ولا من القانون.
وهذا الواقع، ما لم يتغيّر بموقف دولي حقيقي وضغط شعبي وحقوقي واسع، سيبقى يعيد إنتاج المأساة دون نهاية، ويعمّق من الأزمة الحقوقية والإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.