في قرية كفر مالك الوادعة، التي تتنفس الزيتون وتختزن حكايات الصبر، خفتت ضحكات طفلٍ لم يكمل الرابعة عشرة من عمره. عمار معتز حمايل، كان صباح يومه كأي يومٍ آخر من أيام الأطفال الفلسطينيين الذين اعتادوا أن يكبروا على وقع أصوات البنادق لا الأناشيد، يركضون في الأزقة الضيقة، يصنعون أحلامهم على أرصفة تتناقص تحت وطأة الاحتلال.
اغتيال البراءة
عمار، ذو العينين الواسعتين وملامح البراءة المرسومة بدقة على وجهه، لم يكن يحمل في يده إلا سنواته القليلة. لم يكن جنديًا، ولا ناشطًا سياسيًا، ولا شيئًا أكثر من طفل يحمل قلبًا بريئًا لا يعرف حدود السياسة ولا لغات الحرب. لكنه، كغيره من أطفال فلسطين، وُضع في مرمى البنادق قبل أن يفهم لماذا العالم صامت.
في مساء الإثنين، أطلقت قوات الاحتلال رصاصها باتجاه عمار. لا أحد في القرية يملك تفاصيل اللحظة الدقيقة التي سقط فيها، سوى أن صوت الطلقات جاء سريعًا، وصوت صراخ الصبية تلاه مباشرة، ثم الصمت. احتُجز عمار جريحًا من قبل الجنود. بقي بين أيديهم بلا رعاية، بلا إسعاف، بلا أم تمسح على جبينه، ولا أب يحتضنه في لحظاته الأخيرة. وبعد وقتٍ بدا كأنه الدهر، سُلم إلى مركبة إسعاف فلسطينية، وقد بدأت الحياة تغادر جسده الغضّ.
عمار في قوائم الشهداء
مأساة عمار ليست استثناءً، بل مرآة دامعة لما يعيشه الأطفال الفلسطينيون كل يوم، في ظل احتلال لا يفرّق بين كبير وصغير، ولا بين حجر ولعبة. الطفولة في فلسطين محاصرة؛ تُلاحق من المدارس إلى البيوت، ومن الحقول إلى أحلام النوم القصير. أطفالٌ يُولدون في حضن الخوف، ويكبرون على ذاكرة الأشلاء والجنازات بدل الذكريات المدرسية وصور الأعياد.
عمار الآن رقم جديد في قوائم الشهداء، لكنه في قلوب أهله وأقرانه يبقى أكثر من ذلك: هو تلك الابتسامة التي كانت ترسم دفئًا في برد كفر مالك، هو الصوت الذي كان يملأ الساحة بحكايات بريئة عن كرة القدم، عن المدرسة، وربما عن حلمٍ صغير بالسفر خارج القرية ليرى البحر لأول مرة.
صمت الطفولة
لقد غاب عمار، لكن الحكاية لم تنتهِ. حكاية أطفال تُسرق طفولتهم كل يوم، ولا يجدون من يحميهم إلا قلوب الأمهات، وصمود شعبٍ يأبى أن يموت. فهل يسمع العالم صمت الطفولة حين يُكسر برصاصة؟ وهل يعرف ما تعنيه جنازة صغيرة في أرض لا تعرف السلام؟