تشير النقاشات الأخيرة داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي إلى تصاعد الانقسام السياسي والمؤسسي الحاد بشأن طريقة إدارة الحرب على غزة، خاصة فيما يتعلق بالملف الإنساني. الاجتماع الأخير شهد صداماً علنياً بين رئيس أركان الجيش، الجنرال إيال زامير، ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، بما يعكس حجم التباين داخل الحكومة بين الرؤى العسكرية والمواقف السياسية الأيديولوجية، ويضع الحكومة أمام تحديات داخلية متزايدة في ظل ضغوط دولية متنامية.
مواجهة لفظية
الخلاف انفجر على خلفية المساعدات الإنسانية، حيث عبّر بن غفير بوضوح عن موقفه الرافض لإدخال أي مساعدات إلى غزة، زاعماً أن القطاع لا يعاني من نقص فعلي، ومطالباً بقصف مخازن الغذاء التي تُعتقد أنها تابعة لـ«حماس». هذا التصريح، في سياق دولي حساس يُحمّل إسرائيل مسؤولية تفاقم الوضع الإنساني، اعتبره زامير تهديداً مباشراً للموقف القانوني والأمني لإسرائيل، مشيراً إلى التزامات تل أبيب بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. ووفقاً للجنرال زامير، فإن الترويج لفكرة تجويع السكان أو ضرب منشآت مدنية قد يضع إسرائيل تحت مقصلة الملاحقات القانونية الدولية.
المواجهة اللفظية داخل الاجتماع أخذت بُعداً سياسياً أعمق حينما تدخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مدافعاً عن حق الوزراء في التعبير عن آرائهم، حتى لو خالفت موقف المؤسسة العسكرية أو القانون، ما يُبرز تفضيله لاحتواء التحالف الحاكم المتشدد على حساب الانسجام مع الرؤية الأمنية أو القانونية للدولة. كما أنه لم يتخذ موقفاً صارماً ضد تصريحات بن غفير، بل أحال أي جدل قانوني إلى النائبة العامة، التي أكدت من جهتها التزام إسرائيل القانوني بإدخال المساعدات، في موقف يُقوّي وجهة نظر زامير.
انتهاك القانون الدولي
لكن الأكثر دلالة في هذا الاجتماع، هو تسجيل موقف رسمي داخل السجل الحكومي يؤكد أن «أي وزير لا ينوي انتهاك القانون الدولي»، وهي خطوة غير معتادة، تعكس مخاوف متزايدة من أن يُستخدم خطاب الوزراء المتشددين لاحقاً كدليل قانوني ضد الحكومة أمام محاكم دولية.
ويكشف هذا الانقسام عن معضلة مزدوجة تواجه الحكومة الإسرائيلية: فمن جهة، تسعى لتوسيع العمليات العسكرية في غزة، وهو ما تم إقراره بالفعل خلال الاجتماع رغم تحذيرات الجيش بشأن المخاطر على حياة الرهائن؛ ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطًا من وزراء اليمين المتطرف الرافضين لأي بعد إنساني أو قانوني للعملية، ما يعقّد حسابات المؤسسة الأمنية.
كما أن إصرار بن غفير والوزيرة أوريت ستروك على رفض إدخال المساعدات يتعارض مع خطة الحكومة التي أُقرت لإعادة توزيعها عبر آلية جديدة، بهدف تقليل استفادة «حماس»، مما يجعل بن غفير في موقع المعارض الوحيد داخل المجلس المصغر، ويُبرز التباين بين الاتجاهات الأيديولوجية الراديكالية وبين الاعتبارات العملياتية والبراغماتية التي يقودها الجيش.
مجاعة حقيقية في غزة
في الخلفية، يلوح ضغط دولي متزايد على إسرائيل، خاصة مع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة، والتقارير الأممية التي تحذر من حدوث مجاعة حقيقية في غزة. وفي هذا السياق، قد يُشكل الانقسام الداخلي الإسرائيلي عامل ضعف استراتيجي، يمنح خصوم تل أبيب أوراقًا دبلوماسية لمزيد من الضغط، سواء عبر مجلس الأمن أو المحاكم الدولية، أو حتى من خلال تحفيز مواقف أوروبية وأميركية أكثر تشدداً حيال استمرار الحرب.
إن ما جرى في اجتماع الوزراء لا يُعد مجرد خلاف رأي، بل يكشف عن أزمة أعمق تتعلق بهوية الدولة بين من يسعى لحكمها كدولة قانون ومؤسسات، وبين من يجرّها نحو مسارات تصعيدية تضعها في عزلة قانونية وأخلاقية متزايدة.