تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد حملاتها الأمنية في الضفة الغربية، متبعة سياسة الاعتقالات الواسعة والمداهمات الليلية التي طالت هذا الأسبوع نحو 75 فلسطينيًا، إلى جانب مصادرة أكثر من 40 قطعة سلاح، كما أعلن جيش الاحتلال. هذه الحملات ليست مجرد تحركات “أمنية” كما تحاول إسرائيل أن تسوّق، بل تأتي ضمن نهج استراتيجي لإحكام السيطرة على الضفة، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وإعادة فرض واقع الاحتلال المباشر بكل أشكاله.
ملف سري
جزء خطير في هذه السياسة يتمثل في إعادة اعتقال الأسرى المحررين، الذين سبق أن قضوا أحكامهم أو تم الإفراج عنهم في صفقات تبادل أو بموجب اتفاقات رسمية. هذه الممارسات تنتهك بشكل صارخ أبسط مبادئ القانون الدولي، الذي يحظر اعتقال الأشخاص مجددًا بناءً على نفس التهم أو بسبب ماضيهم السياسي أو النضالي. مع ذلك، لا تتردد إسرائيل في ملاحقة هؤلاء الأسرى المحررين، غالبًا دون تقديم لائحة اتهام حقيقية، وتكتفي بإصدار أوامر اعتقال إداري بحقهم – أي السجن دون تهمة أو محاكمة، بناءً على “ملف سري” لا يُكشف حتى للمعتقل أو لمحاميه.
الهجمات الإسرائيلية الأخيرة شملت أيضًا عمليات هدم منازل كما حدث في قرية الرام، في سياق سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، والتي ترفضها كل الأعراف القانونية والإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، جاء اعتقال رئيس خلية مسلحة في مخيم بلاطة وادعاء العثور على مخابئ للأسلحة – كما في الخليل داخل محل لبيع الملابس النسائية – ليضيف بعدًا آخر على المشهد، حيث يتم استخدام أي ذريعة لتبرير الاقتحامات والتنكيل بالمواطنين، في محاولة لترسيخ الرواية الأمنية الإسرائيلية، خاصة مع اشتداد الغضب الشعبي نتيجة استمرار العدوان على قطاع غزة.
رسالة ترهيب
السياق الأوسع لهذه الممارسات يكشف أن الاحتلال يسعى إلى شيطنة كل أشكال المقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب في أعين المجتمع الدولي، بينما يتجاهل حقيقة أن ما يجري هو رد فعل طبيعي على واقع الاحتلال والقمع المستمر. اعتقال المحررين وإعادة الزج بهم في السجون ليس فقط محاولة لإضعاف المقاومة، بل هو رسالة ترهيب موجهة لكل فلسطيني مفادها: “لا مفر من قبضة الاحتلال، حتى لو تحررت يوما ما.”
ورغم كل هذه الانتهاكات، يقابل الشعب الفلسطيني هذه السياسات بمزيد من التحدي والإصرار على مواصلة نضاله. إن حجم الاعتقالات، وعدد الشهداء الذين تجاوزوا 918 شهيدًا منذ السابع من أكتوبر، يؤكد أن هناك محاولة ممنهجة لإعادة رسم المشهد الأمني والسياسي في الضفة، بهدف خنق أي أمل في إقامة كيان فلسطيني مستقل.
حملات الاعتقالات والاعتداءات على الأسرى المحررين ليست فقط إجراءات تعسفية، بل تعبير فاضح عن الطبيعة الاستعمارية للاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يؤمن بالسلام أو الشراكة، بل يعمل بكل قوته لفرض مشروعه القائم على الإخضاع والكسر.