يحمل تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بشأن أزمة المياه في قطاع غزة مؤشرات كارثية على تدهور الأوضاع الإنسانية إلى مستويات تهدد الحياة ذاتها. فالمياه، باعتبارها عنصراً أساسياً للبقاء، أصبحت في غزة سلعة نادرة، وقد تحولت الحاجة إليها من مجرد أزمة صحية إلى خطر داهم يهدد مئات آلاف العائلات بالموت عطشًا، وفق ما حذرت الوكالة الأممية.
أزمة المياه في سياق الحرب والحصار
تأتي تحذيرات “الأونروا” في سياق يتسم بتعقيد بالغ، إذ يتواصل القصف الإسرائيلي منذ شهور على القطاع، مستهدفًا بشكل ممنهج البنية التحتية المدنية، بما فيها محطات ضخ المياه، الآبار، شبكات التوزيع، وصهاريج النقل. وفي الوقت نفسه، تفرض سلطات الاحتلال قيودًا صارمة على دخول الوقود منذ أكثر من 100 يوم، وهو الوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه والمضخات. هذه المعادلة المزدوجة من التدمير الميداني والحصار اللوجستي، جعلت من إيصال المياه مهمة شبه مستحيلة.
وفق بيان “الأونروا”، لم يعد يعمل سوى 40% فقط من مرافق إنتاج مياه الشرب في غزة، ما يعني أن أكثر من نصف السكان باتوا يعتمدون على مصادر غير آمنة، أو يواجهون العطش المباشر. كما أوضحت الوكالة أن قدرتها على توفير المياه تراجعت إلى النصف مقارنة بفترة الهدنة الأخيرة، ما يعكس مدى الانحدار السريع في القدرة على الاستجابة للاحتياجات الأساسية للسكان.
الجفاف كأداة حرب
الوصف الذي استخدمته الوكالة بأن “غزة على حافة جفاف من صنع الإنسان” ليس مجرد توصيف بلاغي، بل هو إدانة صريحة لاستخدام الحصار وسياسات التجويع والعطش كأدوات ضغط عسكرية وسياسية. فحرمان السكان من المياه لا يمكن فصله عن سياق أوسع من سياسات العقاب الجماعي التي حذرت منها مؤسسات حقوقية دولية مرارًا، واعتبرتها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
توضح “الأونروا” أن الآبار التي ما زالت صالحة للاستعمال تواجه بدورها معوقات جسيمة؛ بعضها نفد وقوده، وبعضها الآخر يقع في مناطق خطرة يصعب الوصول إليها بسبب القصف أو أوامر الإخلاء القسري. كما أن شبكة الأنابيب نفسها تعرضت للتلف، ما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من المياه، فيما لم تعد صهاريج النقل قادرة على تلبية الطلب أو حتى الوصول إلى معظم المناطق، خاصة في الجنوب والوسط.
دعوة للوقف الفوري لإطلاق النار
في ظل هذا الواقع، تطالب “الأونروا” بوقف فوري لإطلاق النار باعتباره شرطًا أساسيًا لإعادة تشغيل مرافق المياه، وإدخال الوقود والمساعدات الإنسانية، وتوفير فرص الوصول الآمن إلى المناطق المتضررة. لكن حتى في حال التوصل إلى تهدئة، فإن إصلاح ما دُمر قد يستغرق وقتًا طويلاً، ما يعني أن سكان غزة سيظلون عرضة لخطر الجفاف لفترة غير قصيرة.
أزمة المياه في قطاع غزة، كما ترصدها “الأونروا”، لم تعد مجرد مشكلة خدماتية أو أزمة مؤقتة في البنية التحتية، بل تحولت إلى تهديد وجودي يمس حياة الملايين، في ظل حصار خانق وعدوان متواصل. وهي تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية وقانونية واضحة، ليس فقط لتأمين وصول المساعدات، بل للضغط من أجل وقف سياسة التجويع والعطش، التي ترقى في بعض أوجهها إلى جرائم ضد الإنسانية.