قضية الأسير المحرر محمد عطون تعكس أحد أوجه المعاناة المركبة التي يعيشها الفلسطينيون في القدس المحتلة، حيث لا تكتفي سلطات الاحتلال بعقوبة السجن والحرمان من الحرية، بل تلاحق الأسرى بعد تحررهم بإجراءات عقابية جديدة تستهدف وجودهم وهويتهم وحتى حقهم في الإقامة في مدينتهم الأصلية.
تهجير المقدسيين
قرار سحب هوية محمد عطون وإلغاء إقامته في القدس يمثل تصعيدًا خطيرًا في سياسات الاحتلال التي تتخذ من “عدم الولاء” ذريعة قانونية لتهجير المقدسيين، لا سيما النشطاء والقيادات التي لها حضور سياسي أو وطني مؤثر. هذا النوع من القرارات ليس مجرد إجراء إداري، بل هو جزء من سياسة التهجير القسري المقنّعة، والتي تستهدف تفريغ القدس من رموزها الفاعلة، وتقويض كل صوت يعارض الاحتلال من داخل المدينة.
محمد عطون، الذي قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال، لم ينل حريته الكاملة بمجرد الإفراج عنه، بل وجد نفسه أمام معركة جديدة تهدد حقه في العيش داخل مدينته وبين أهله. هذا يسلط الضوء على معاناة الأسرى المحررين، الذين غالبًا ما يواجهون قيودًا أمنية وملاحقات ومراقبة، بل وحتى تهديدات بالاعتقال أو الإبعاد الإداري. وفي حالة عطون، يتحول التهديد إلى فعل مباشر عبر قرار يطال جذوره وهويته.
تغيير التركيبة الديمغرافية
سياسة سحب الهويات من المقدسيين تُعد أداة استعمارية تستخدمها إسرائيل لتغيير التركيبة الديمغرافية في المدينة المحتلة. وقد طالت مئات الفلسطينيين منذ سنوات، لكنها تكتسب خطورة مضاعفة عندما تُطبّق بحق أسرى سابقين، كونها تربط بين العمل النضالي وفقدان الحقوق الأساسية، في محاولة لردع الآخرين وبث الخوف في نفوس الشبان المقدسيين.
هذه الممارسات تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي، إذ أن القدس تعتبر أرضًا محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة، وسكانها الأصليون يتمتعون بحقوق لا يجوز إلغاؤها بقرارات أحادية من قوة احتلال. ومع ذلك، فإن مؤسسات الاحتلال توظف أدوات “قانونية” تعسفية لتبرير إجراءاتها، مستفيدة من الصمت الدولي، والانشغال العالمي بصراعات أخرى.
صمود عطون
معاناة محمد عطون هي انعكاس لمعاناة جماعية تطال آلاف المقدسيين، وهي تذكير حي بأن معركة الفلسطيني ليست فقط مع الجدار والسجن والرصاص، بل أيضًا مع قوانين الاحتلال التي تحاول أن تقتلع الإنسان من مكانه وتعيد تعريف هويته قسرًا. وبرغم ذلك، فإن صمود عطون ورفضه للقرار يحمل رسالة تحدٍ واضحة، ويؤكد أن الانتماء الوطني لا يُنتزع بقرار إداري.