يشكل استهداف المدنيين أثناء تلقيهم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تطورًا خطيرًا في النزاع المستمر، ويعكس تصعيدًا جديدًا في نمط العمليات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما في ظل تأكيد مقتل 11 مدنيًا من بين 27 ضحية سقطوا جراء القصف الأخير، كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات. هذا الحادث يسلط الضوء على إحدى أخطر مظاهر الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، ويطرح تساؤلات ملحّة حول التزامات أطراف النزاع بالقانون الدولي الإنساني.
تفكك النسيج المجتمعي
استهداف المدنيين أثناء تواجدهم في نقاط توزيع المساعدات لا يمثل فقط انتهاكًا صريحًا لاتفاقيات جنيف التي تحظر التعرض للأشخاص غير المشاركين في القتال، بل يحمل أيضًا أبعادًا نفسية واجتماعية خطيرة؛ إذ يضرب في عمق الشعور بالأمان ويزيد من تفكك النسيج المجتمعي، ويضع سكان القطاع أمام معادلة مأساوية: البقاء تحت الحصار مع المجاعة، أو المخاطرة بالحياة أثناء السعي إلى الغذاء والدواء.
إقليميًا، هذه الهجمات قد تؤدي إلى انفجار حالة من الغضب الشعبي والسياسي في الدول المجاورة، خصوصًا في ظل حساسية القضية الفلسطينية في الوعي الجمعي العربي والإسلامي. كما أن استمرار سقوط ضحايا مدنيين في ظروف مرتبطة بالمساعدات، قد يزيد من الضغوط على الأنظمة السياسية في دول مثل مصر والأردن ولبنان، ويدفع بموجات احتجاج جديدة أو يُستخدم من قبل فصائل مسلحة كأداة تعبئة وتجنيد.
تصعيد إقليمي
من جهة أخرى، التصعيد الإسرائيلي في غزة يتزامن مع استهداف مواقع عسكرية ونووية في إيران، ما يشير إلى تحول في العقيدة العسكرية الإسرائيلية نحو الردع الشامل وربما محاولة توصيل رسائل استراتيجية مزدوجة لإيران و”حماس” معًا. غير أن الجمع بين الجبهتين يهدد بفتح مسار تصعيد إقليمي أوسع، قد يشمل جنوب لبنان والعراق وسوريا، ويعزز احتمال نشوب مواجهة أوسع نطاقًا بين إسرائيل ومحور المقاومة.
إن تجاهل المجتمع الدولي لمثل هذه الانتهاكات، أو الاكتفاء بإدانات شكلية، يغذي مناخ الإفلات من العقاب ويقوّض فرص أي تسوية سلمية مستقبلية. كما أن استمرار استهداف المدنيين في لحظات إنسانية حساسة، كالانتظار لتلقي المساعدات، يُقوض ثقة السكان المحليين في الجهات المانحة ويعرقل جهود الإغاثة الدولية.
في المحصلة، هذا الحادث ليس مجرد خطأ عسكري أو “أضرار جانبية”، بل هو مؤشر على تصعيد نوعي وخطر في النهج العسكري المتبع، وقد تكون له تداعيات كارثية على الاستقرار في المنطقة بأسرها.