تشير التصريحات التي أدلى بها عبد الفتاح دولة، المتحدث باسم حركة فتح، إلى أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية لم يعد مجرد سلسلة من الاشتباكات أو الأحداث المعزولة، بل يمثل مرحلة جديدة من الصراع، تتسم بطابع الحرب الشاملة والممنهجة التي تخوضها إسرائيل، بجيشها ومستوطنيها، ضد الوجود الفلسطيني. هذه الحرب، كما توصف في التصريحات، تتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية، لتتحول إلى مشروع سياسي واستيطاني يتسم بأبعاد تطهير عرقي وإعادة تشكيل ديمغرافي وجغرافي للضفة الغربية وسائر الأراضي المحتلة.
“التطهير العرقي المنهجي
أول دلالة مركزية لهذه الحرب الشاملة هي تداخل الأدوار بين الجيش والمستوطنين. ما أشار إليه “دولة” من أن المستوطنين باتوا جزءًا من المنظومة العسكرية يعكس تحوّلًا خطيرًا في طبيعة الاحتلال؛ حيث لم يعد الجيش وحده هو الأداة المنفذة لسياسات إسرائيل، بل أصبح المستوطنون، المدججون بالسلاح، شركاء مباشرين في تنفيذ تلك السياسات، بل وتمت شرعنتهم بوصفهم “الجيش الوطني” في نظر بعض الوزراء في حكومة نتنياهو. هذه الظاهرة تؤسس لواقع أمني موازٍ، غير خاضع لرقابة أو مساءلة، وتخلق ديناميكية عنف مستمرة في قلب التجمعات الفلسطينية، بما يكرّس حالة من الرعب اليومي ويؤدي إلى تهجير قسري غير معلن.
تشير هذه الحرب إلى انزياح واضح نحو نموذج “التطهير العرقي المنهجي”. ليس الأمر مجرد عمليات قتل أو مواجهات محدودة، بل هو – كما وصفه المتحدث – “محرقة ممنهجة”، تتضمن قتل المدنيين، حرق البيوت والمزارع، وتدمير البنى التحتية الفلسطينية. هذه الممارسات تحمل دلالات على أن الهدف ليس فقط تقويض المقاومة أو منع قيام الدولة الفلسطينية، بل تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين، بما يخلق وقائع ديمغرافية وجغرافية جديدة يصعب التراجع عنها سياسيًا في أي مفاوضات مستقبلية.
جيش قائم على التجنيد الإجباري
تكشف هذه التصريحات عن بعد استراتيجي إسرائيلي يتجاوز الساحة الفلسطينية المباشرة. فإسرائيل تسعى، من خلال تصعيدها في الضفة وغزة، إلى إرسال رسائل إقليمية مفادها أنها قادرة على فتح جبهات متعددة في وقت واحد: في غزة، الضفة، جنوب لبنان، سوريا، بل وحتى إيران. لكن هذه القدرة العسكرية تُقابل، بحسب “دولة”، بضعف استراتيجي على المدى الطويل، بسبب اعتماد إسرائيل على جيش قائم على التجنيد الإجباري، وعدم امتلاكها للقدرة على الصمود الطويل في مواجهة شعبٍ خَبِرَ الاحتلال، ويتمتع بإرادة مقاومة طويلة النفس.
صمت المجتمع الدولي يلعب دورًا جوهريًا في تمكين هذه السياسات. فغياب الضغط الدولي الفعّال، وازدواجية المعايير، خاصة من قبل القوى الكبرى، يجعل إسرائيل مطمئنة إلى غياب المساءلة، بل ويشجعها على التمادي في سياساتها. وفي المقابل، يشعر الفلسطينيون بأنهم وحدهم في مواجهة مشروع استعماري لا يخفي نواياه، ما يزيد من شعورهم بالخذلان العالمي، لكنه في ذات الوقت يعزز من سردية الصمود والمقاومة بوصفها الخيار الوحيد المتبقي.
مشروع متكامل لتقويض الحلم الفلسطيني
الحرب الإسرائيلية الحالية ليست مجرد حملة عسكرية ظرفية، بل جزء من مشروع متكامل لتقويض أي إمكانية لتجسيد الحلم الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، وتكريس وقائع لا يمكن التراجع عنها. هي حرب على الهوية، والوجود، والمستقبل، تُخاض بأدوات متعددة: السلاح، القانون، الإعلام، والدعم الدولي الضمني، وسط ميزان قوى مختل، لكنه لم يُلغِ بعد قدرة الفلسطينيين على المقاومة.