القدس اليوم تقف على صفيح ساخن، والأوضاع فيها تزداد تأزماً مع استمرار الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، والتي باتت تتخذ طابعاً أكثر استفزازاً وخطورة، في ظل رعاية رسمية من حكومة الاحتلال التي تسير بخطى متسارعة نحو تكريس واقع تهويدي في قلب المدينة المقدسة.
حاخامات متطرفين
الاقتحام الذي حدث صباح اليوم ليس حدثاً معزولاً، بل جزء من استراتيجية متكاملة تتبعها جماعات “الهيكل المزعوم”، بدعم وتغطية من شرطة الاحتلال. هذه الاقتحامات لم تعد مجرد زيارات رمزية، بل أصبحت طقوساً تلمودية كاملة تُمارَس داخل باحات الأقصى، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً للوضع القائم (الستاتيكو) التاريخي والديني الذي يحكم المكان منذ قرون، والذي ينص على أن المسجد الأقصى مكان عبادة خالص للمسلمين.
وجود حاخامات متطرفين كـ”شمشون ألبويم”، الذي يقود منظمة تدعو صراحة لهدم المسجد الأقصى، يعكس مدى تحوّل هذه الاقتحامات من مجرد استفزازات إلى تهديد فعلي لمعالم وهوية القدس الإسلامية. ولا يقل خطورة عن ذلك حملة التواقيع التي أطلقتها جماعات الهيكل، والتي تطالب بفتح الأقصى بشكل كامل أمام اليهود خلال ما يسمونه “يوم القدس”، مع منحهم حرية إدخال رموز دينية يهودية وإقامة طقوسهم علناً، ما يعني فعلياً محاولة فرض شراكة دينية قسرية داخل أقدس مقدسات المسلمين في فلسطين.
تطبيع الاقتحامات
المشهد الأمني المحيط بهذه الاقتحامات يُظهر مدى تورّط شرطة الاحتلال، التي لا تكتفي بحماية المقتحمين، بل تُمعن في إذلال المصلين الفلسطينيين، من خلال احتجاز هوياتهم، ومنع دخول الشبان والنساء أحياناً، لإفراغ المسجد من رواده، وتهيئة الأجواء للاقتحامات التلمودية.
هذا التصعيد لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام في إسرائيل، حيث تقود الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية، ممثلة بإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، سياسة فرض وقائع جديدة على الأرض، مستغلة انشغال العالم بالحرب في غزة، وامتداد التوتر إلى جبهات أخرى كلبنان واليمن. ويبدو أن المخطط يتم تنفيذه بحذر ولكن بثبات، عبر محاولات متكررة لـ”تطبيع” هذه الاقتحامات في الوعي المحلي والدولي.
الصمود الشعبي
الوضع في القدس اليوم ليس مجرد احتكاك ديني أو صراع على أماكن مقدسة، بل هو معركة على هوية المدينة وروحها. أي تهاون أو صمت إزاء ما يحدث قد يُترجم على الأرض إلى تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى، كما حصل سابقاً في الحرم الإبراهيمي بالخليل، ما يُعدّ كارثة دينية وسياسية بكل المقاييس.
في ظل هذا الواقع، يبقى الصمود الشعبي، والمواقف الدولية الحازمة -إن وُجدت–، والأدوار التي يمكن أن تلعبها الدول الإسلامية، العوامل الحاسمة في مواجهة هذا المشروع التهويدي الذي يستهدف أحد أقدس مقدسات المسلمين.
هل نحن أمام المرحلة الأخيرة من تهويد الأقصى أم ما زال هناك مجال لردع هذا الانفجار القادم؟