وجّهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضربة موجعة لحليفتها كييف بإعلان وقف تسليم شحنات أسلحة حيوية كانت مخصصة للدفاع الجوي، في خطوة وصفها مسؤولون أميركيون بأنها “ضرورية لتعزيز جاهزية الجيش الأميركي” لكنها أثارت تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بمساعدة أوكرانيا في مواجهة روسيا.
القرار الأميركي جاء في وقت بالغ الحساسية، وبعد أيام فقط من أعنف هجوم روسي شهدته أوكرانيا منذ اندلاع الحرب، استخدمت فيه موسكو طائرات مسيّرة وصواريخ بعشرات الموجات على مدن أوكرانية، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. ومع ذلك، فضّلت إدارة ترمب وقف تسليم الأسلحة الموجودة أصلاً في بولندا بانتظار شحنها، وتشمل صواريخ “باتريوت”، و”ستينغر”، و”هيلفاير”، وقذائف مدفعية وصواريخ جو-جو وأرض-أرض.
التبرير الرسمي الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية جاء على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي، التي قالت إن القرار يندرج ضمن مراجعة شاملة “تضع مصالح أميركا أولاً”، وتُعيد توجيه الموارد نحو التهديدات بعيدة المدى من الصين والوضع المتوتر في الشرق الأوسط. وبحسب كيلي، فإن المراجعة هدفت إلى “تحقيق توازن بين دعم الحلفاء واحتياجات الجيش الأميركي”، في حين أكد وكيل وزارة الدفاع إلبريدج كولبي أن الوزارة تعمل على بلورة مقترحات للرئيس ترمب تتيح استمرار الدعم لأوكرانيا “لكن ضمن رؤية جديدة لإنهاء الحرب”.
ورغم محاولات واشنطن التقليل من تداعيات القرار، إلا أن كييف تلقّت الرسالة بقلق بالغ، واستدعت السفير الأميركي لديها للتشاور، في وقت عبّر فيه عضو لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني فيدير فينيسلافسكي عن “ألم” بلاده مما وصفه بـ”التخلي الأميركي المتدرج”. ويبدو أن الموقف الجديد لا يعبّر فقط عن مراجعة فنية، بل هو ترجمة فعلية لنهج إدارة ترمب الساعي إلى إغلاق ملف الحرب عبر المفاوضات المباشرة مع موسكو، حتى وإن كان ذلك على حساب موقع كييف التفاوضي.
الكرملين لم يُخفِ ترحيبه بالقرار الأميركي، معتبراً أنه “خطوة نحو تسوية قريبة”، فيما تسود أوساط حلف شمال الأطلسي حالة من الارتباك والتوجّس من هذا التحوّل الأميركي، خاصة وأن ترمب لم يطلب تمويلاً جديداً من الكونغرس لتسليح كييف، ورفض أيضاً تفعيل برامج المساعدات المخصصة، مكتفياً بالحديث عن “إعادة تقييم الأولويات”، رغم أن القانون يتيح له الاستمرار في تسليح أوكرانيا حتى سقف 3.85 مليار دولار.
التناقض بدا واضحاً في مواقف ترمب، الذي تحدث خلال قمة “الناتو” في هولندا الأسبوع الماضي عن احتمال بيع صواريخ “باتريوت” لأوكرانيا، لكنه لم يقدّم أي التزام فعلي. وبينما يشير بعض مستشاريه إلى ضرورة التوقف عن “تمويل حرب لا يمكن كسبها”، يرى آخرون أن هذا الانسحاب قد يُفهم كمكافأة مجانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويتردّد في الأروقة السياسية الأميركية أن القرار ليس الأول من نوعه، إذ كشفت تقارير صحافية أن إدارة ترمب سبق أن أعادت توجيه معدات عسكرية كانت مخصصة لكييف لصالح القوات الأميركية في الشرق الأوسط، بذريعة أولوية الجاهزية العسكرية، وهو ما يثير أسئلة حول مدى استقلالية قرارات البنتاغون أم أنها تُصاغ ضمن تفاهمات أوسع بين ترمب وبوتين.
في المقابل، تعيش العواصم الأوروبية حالة من الحذر، حيث يتصاعد القلق من أن تكون المفاوضات الروسية الأميركية، التي بدأت خيوطها في الرياض مطلع العام، قد تجاوزت الحلفاء الأوروبيين. وكتبت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس على منصة “إكس” أن “أوروبا لا يمكن أن تكون على الهامش حين يتعلق الأمر بمستقبل أمنها”.
القرار الأميركي، بكل أبعاده العسكرية والسياسية، يمثل مفترق طرق في مسار الحرب الأوكرانية، ويطرح علامات استفهام حول التحالف الغربي الذي بدا موحداً في السنوات الأولى من الحرب، لكنه يواجه اليوم اختبار الإرادات السياسية بين براغماتية ترمب ورهانات كييف.