في صحراء شرق تشاد، حيث الشمس لا ترحم والأنظار لا تصل، يتداعى معسكر “قاقا” كرمز حي لمعاناة آلاف اللاجئين السودانيين الفارين من جحيم الحرب إلى مصير أكثر قسوة: الجوع.
وأعلنت شبكة أطباء السودان، أمس السبت، وفاة 13 شخصًا من قاطني المعسكر جوعًا خلال أسبوع واحد فقط، ما يسلط الضوء على كارثة إنسانية تتفاقم بصمت مريب. المعسكر الذي يضم أكثر من 21 ألف لاجئ، يفتقر إلى الغذاء، الدواء، والماء النظيف. الأطفال والنساء هم الضحايا الأبرز، بينما تصارع الأسر للبقاء على قيد الحياة في ظروف غير آدمية.
من الحرب إلى المجاعة: كيف قادت الصراعات إلى الكارثة؟
بدأت مأساة اللاجئين السودانيين حين فرّوا من نيران الحرب في دارفور وأجزاء أخرى من السودان، تاركين وراءهم منازلهم وحياتهم المستقرة، ليجدوا أنفسهم في معسكرات لجوء مهملة، يعيشون تحت خيام مهترئة، ويموتون جوعًا في أرض لم تعد آمنة ولا رحيمة.
الحرب الأهلية المستمرة في السودان منذ أكثر من عام أثرت بشكل مباشر على سلاسل الإمداد والمساعدات الإنسانية. أُغلقت المعابر، وتوقفت شاحنات الغذاء، فيما تسربت المعلومات عن تعرض قوافل إنسانية للنهب أو التأخير لأسباب “أمنية”، بحسب ما تقول بعض المنظمات.
أين هي المنظمات الإنسانية؟
تساءلت شبكة أطباء السودان، ومعها آلاف من السودانيين، عن غياب الدور الفعّال للمنظمات الدولية، التي اكتفت – في أفضل الأحوال – ببيانات الإدانة والقلق. ورغم أن معسكر “قاقا” ليس جديدًا، إلا أن المعاناة بلغت ذروتها مؤخرًا دون استجابة توازي حجم الكارثة.
في بيانها، نددت الشبكة بما وصفته بـ”التجاهل الدولي المتعمد”، مشيرة إلى أن التذرع بصعوبات المعابر لا يبرر ترك الآلاف للموت البطيء. وأضاف البيان أن “ما يحدث هو فضح حقيقي لصمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي يفترض أنها وُجدت لحماية الفئات الأضعف”.
لا أمل بلا تدخل عاجل
يرى خبراء في الشأن الإنساني أن الأوضاع في معسكر “قاقا” مرشحة للتدهور أكثر، ما لم يحدث تدخل فوري وسريع. تقول د. هالة عثمان، الباحثة في شؤون اللجوء والنزوح، إن ما يحدث في قاقا هو نتاج مباشر لغياب خطة إغاثة إقليمية واضحة، وتراخٍ أممي في التعامل مع الأزمات الإفريقية.
وتضيف: “لن تتحسن أوضاع هؤلاء اللاجئين ما لم تتحرك المنظمات الأممية بشكل منسق، وتُفتح المعابر بشكل عاجل لتوصيل الغذاء والدواء. كما يجب على المجتمع الدولي ممارسة ضغط على أطراف الصراع لتسهيل وصول المساعدات”.
هل من ضوء في نهاية النفق
اللاجئون في قاقا لا يملكون الوقت لانتظار البيانات الدبلوماسية أو المؤتمرات الصحفية، فكل يوم يمر هو تهديد لحياتهم. الأطفال هناك لا يحتاجون إلى التعاطف من خلف الشاشات، بل إلى لقمة تسد رمقهم، ودواء يخفف آلامهم.
يبدو أن مستقبل اللاجئين السودانيين في تشاد، وبالأخص في معسكر قاقا، مرتبط بإرادة المجتمع الدولي، واستفاقة ضمير طال غيابه. حتى ذلك الحين، تستمر المعاناة، ويسجل الموت أسماءً جديدة كل يوم في سجل الجوع المنسي.
نداء أخير للعالم
في وقت تتجه فيه الكاميرات نحو أزمات عالمية أخرى، يصرخ معسكر قاقا بصمت. الجوع لا ينتظر، والموت لا يمنح مهلة. إن كانت الإنسانية لا تزال حية، فقد حان وقت العمل، قبل أن يفنى ما تبقى من الأمل.