تصاعدت حدة التوتر في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، بعد اتهامات وجهها الجيش السوداني لقوات تابعة للمشير خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، بالمشاركة في هجوم عسكري نفذته “قوات الدعم السريع” على منطقة جبلية استراتيجية داخل الأراضي السودانية. ووصف الجيش السوداني هذا التطور بـ”العدوان السافر”، معتبرًا أن ما جرى يُمثل امتدادًا لما وصفه بـ”مؤامرة دولية وإقليمية” تستهدف البلاد.
الخرطوم تدق ناقوس الخطر: “تعدٍ مباشر على السيادة”
في بيان رسمي صدر عن مكتب الناطق باسم القوات المسلحة السودانية، أدان الجيش تدخل “كتيبة السلفية” الليبية، إحدى التشكيلات التابعة لقوات حفتر، في الاشتباكات الجارية على الحدود الشمالية الغربية للسودان، مؤكدًا أنها شاركت بشكل مباشر إلى جانب “الدعم السريع” في العمليات القتالية. وجاء في البيان أن “هذا التعدي يمثّل خرقًا واضحًا لسيادة السودان، ويكشف عن تدخل إقليمي مباشر في الأزمة السودانية”.
الجيش السوداني تعهد بالتصدي لما وصفه بـ”العدوان”، وأكد استعداده للدفاع عن أرضه ومواطنيه في وجه أي تهديد خارجي، دون أن يحدد طبيعة الرد العسكري المحتمل أو إن كان قد تم توجيه احتجاج دبلوماسي رسمي إلى الحكومة الليبية في الشرق.
الدعم السريع تُعلن تقدمًا ميدانيًا
في المقابل، أعلنت “قوات الدعم السريع” سيطرتها على منطقة “جبل كسو”، وهي منطقة جبلية نائية ذات أهمية استراتيجية، تقع في مثلث الحدود السودانية الليبية المصرية، كانت تخضع سابقًا لسيطرة القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني.
وفي مقاطع فيديو بثها جنود من “الدعم السريع”، تحدثوا عن “استعادة السيطرة” على الجبل، مشيرين إلى أنهم طردوا قوات الجيش وحلفائه حتى منطقة “جبل عوينات”، وهو معلم جغرافي شهير في تلك المنطقة الحدودية. وتُظهر هذه التصريحات تصعيدًا ميدانيًا لافتًا في جغرافيا القتال، بعدما كانت المعارك محصورة سابقًا في مناطق وسط وغرب السودان.
اشتباكات ومعارك حدودية تتسبب في خسائر للطرفين
وكانت المنطقة الحدودية قد شهدت يوم الجمعة الماضي اشتباكات عنيفة بين القوات المشتركة السودانية، وكتيبة “سبل السلام” التابعة للجيش الوطني الليبي، في محيط منفذ العوينات الحدودي. وأسفرت المعارك عن سقوط قتلى وأسرى من الجانبين، بحسب ما أفادت به القوات المشتركة السودانية في بيانات صحافية لاحقة.
القوات السودانية قالت إن القوات الليبية “توغلت” داخل أراضيها لمسافة تتجاوز الثلاثة كيلومترات، بهدف دعم عمليات تهريب أسلحة إلى “قوات الدعم السريع”، على حد قولها. وأكدت أنها صدّت الهجوم، ودمرت القوة المتسللة.
رد ليبي: دورية تعرضت لهجوم داخل الأراضي الليبية
من جهته، رد الجيش الوطني الليبي ببيان مقتضب، أكد فيه أن دورية تابعة لـ”كتيبة سبل الإسلام” كانت تقوم بمهامها داخل الحدود الليبية، قبل أن تتعرض لهجوم من القوات السودانية المشتركة، التي صادرت معدات عسكرية تخص الجيش الليبي.
البيان أشار إلى أن القيادة العامة للجيش الليبي أرسلت تعزيزات إلى المنطقة الحدودية، تمكنت من “تكبيد القوات المهاجمة خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد”، مؤكدة أنها لن تتهاون مع أي اختراق للسيادة الليبية.
أبعاد إقليمية لصراع محلي
يأتي هذا التصعيد الحدودي في وقت تشهد فيه الأزمة السودانية تعقيدًا متزايدًا، لا سيما مع دخول أطراف إقليمية على خط النزاع. ويثير اتهام الجيش السوداني لقوات حفتر بالانخراط في المعارك إلى جانب “الدعم السريع” تساؤلات حول طبيعة الدعم الإقليمي المقدم لهذه القوات، وتداعيات ذلك على مساعي الحل السياسي للأزمة.
وفي حين لم تُعلّق الجهات الليبية الرسمية على الاتهامات السودانية بشكل مفصل، يرى مراقبون أن انخراط قوات من شرق ليبيا في الصراع السوداني قد يُنذر بتدويل الأزمة، وتوسيع رقعة التوتر في منطقة الساحل والصحراء التي تشهد أصلًا هشاشة أمنية متفاقمة.