أكدت وزارة الدفاع السورية أن الوضع في محافظة السويداء يشهد اشتباكات عنيفة لكنها تميل تدريجيًا نحو السيطرة، في وقت تستنفر فيه السلطات الرسمية جهودها لاحتواء النزاع ومنع انزلاق المحافظة نحو فوضى مفتوحة قد تتجاوز أطرها المحلية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع، العقيد حسن عبد الغني، في تصريح للإعلام الحكومي، إن العمليات الميدانية تتقدم على عدة محاور، مشيرًا إلى أن الجيش بات على مشارف مدينة السويداء، بالتنسيق مع فصائل محلية تتعاون مع الوزارة في ضبط الأمن و”ملاحقة المجموعات الخارجة عن القانون”، على حد تعبيره.
فراغ مؤسسي وانفلات أمني
وشدّد عبد الغني في كلمة مصورة على أن وزارة الدفاع لا تخوض حربًا أهلية، بل تنفذ عمليات أمنية تستهدف “مجموعات مسلحة خارجة عن القانون”. وأعرب عن أسفه لما شهدته المحافظة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية من مواجهات أوقعت عشرات القتلى والجرحى، واصفًا الوضع بأنه نتيجة مباشرة لحالة الفراغ الإداري والمؤسسي التي تعيشها السويداء منذ شهور، ما فتح الباب أمام الانفلات الأمني والتوترات المتكررة.
وأكد العقيد عبد الغني مقتل 18 عنصرًا من الجيش السوري في هجمات متفرقة نفذتها مجموعات مسلحة، متعهدًا بإنهاء ما وصفه بـ”الاشتباكات العبثية”، ومواصلة ملاحقة المسؤولين عنها حتى استعادة الاستقرار.
الجيش يدخل ولغا والطريق يُقصف إسرائيليًا
وفي تطور ميداني لافت، أفاد مراسل تلفزيون سوريا أن وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي دخلت بلدة ولغا الواقعة شمال غرب مدينة السويداء، في إطار عمليات فرض السيطرة وإعادة الأمن، فيما أدى قصف جوي إسرائيلي إلى قطع الطريق العام المؤدي إلى المنطقة، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.
وتهدف هذه العمليات، بحسب ما أعلنه الجيش، إلى تأمين منازل المدنيين والمرافق العامة، في ظل مخاوف من تحوّل الاشتباكات المحلية إلى حرب استنزاف أهلية.
الدولة تتعهد بالحسم… وتحذير من التدخل الخارجي
وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، من جانبه، دعا الجنود في السويداء إلى الالتزام بحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، محذرًا من أن أي تقصير أو تعاون سلبي مع المجموعات المسلحة سيُقابل بـمحاسبة صارمة، مؤكدًا أن دور الجيش يجب أن يكون “في خدمة المواطنين” لا في مواجهتهم.
كما أكدت وزارة الداخلية أن دخول قوى الأمن الداخلي جاء في سياق خطة لوقف نزيف الدم وضبط الأمن، داعية الأطراف كافة إلى التحلي بالمسؤولية والاحتكام لمؤسسات الدولة، في وقت يتواصل فيه التنسيق مع وجهاء المنطقة للحد من التوترات.
وفي المواقف الرسمية، شدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني من بروكسل على أن الحكومة الجديدة تتحرك بكل جدية لضبط الأمن في السويداء، محذرًا من أي تدخل خارجي قد يزيد من تعقيد الأوضاع، ومذكّرًا بأن سوريا لا تزال تدفع ثمن الإرث الثقيل لنظام الأسد المخلوع، لا سيما في ملف السلاح المنفلت.
رسالة طمأنة للدروز وتحذير من الفتنة
وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانًا دعت فيه الدول والمنظمات الدولية إلى احترام سيادة البلاد، والامتناع عن دعم الحركات الانفصالية أو أي جماعات مسلحة تعمل على تقويض الأمن في السويداء، مؤكدة أن “حقوق وأمن الطائفة الدرزية وأهالي المحافظة مصانة بالكامل”.
أما الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، فقد أطلقت دعوة صريحة إلى وقف فوري لإطلاق النار، معتبرة أن “ما يجري لا يمثل معركة أبناء الطائفة”، مشددة على أن “أيدي الصلح ما تزال ممدودة”، وأن التفاهم السلمي يبقى الخيار الوحيد لحماية كرامة وأرزاق الناس.
اختبار جدي للحكومة السورية الجديدة
الاشتباكات في السويداء ليست مجرد نزاع محلي، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية الجديدة على ضبط السلاح والانفلات الأمني، في منطقة لطالما عُرفت بحساسيتها السياسية والاجتماعية.
وبين قصف إسرائيلي في الخلفية، وفراغ مؤسسي محلي، وتوترات قبلية داخلية، تحاول دمشق رسم معادلة أمنية جديدة تحمي المدنيين وتحفظ وحدة البلاد… لكن هل تنجح في اجتياز هذا الامتحان المعقد دون الانزلاق نحو تصعيد أهلي أوسع؟