في ظل استمرار الحرب المستعرة على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 19 شهراً، تواصل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” جهودها على مسارات متعددة، بهدف فرض وقف لإطلاق النار دون أن تُقدّم تنازلات تمس جوهر مشروعها أو دورها الحاكم في القطاع.
ورغم الكلفة الإنسانية الهائلة، فإن حماس تُصرّ على التمسك بشروط واضحة، وتُبقي على مواقف ثابتة تعكس حرصها على عدم تقديم أي “أثمان سياسية” مقابل تهدئة عسكرية، ما يُصعّب التوصل إلى اتفاق دائم مع الاحتلال الإسرائيلي أو حتى الوصول إلى تسوية شاملة عبر الوسطاء.
فمنذ بداية الحرب، تكرر موقف حماس بشكل واضح في مختلف التصريحات والمبادرات المطروحة: “وقف شامل لإطلاق النار، انسحاب كامل من القطاع، إدخال المساعدات دون قيود، ورفع الحصار”، مقابل الإفراج عن الأسرى ضمن صفقة تبادل. إلا أن الحركة رفضت، في أكثر من مناسبة، ربط هذه المطالب بأي تغييرات تمس هيكل الحكم في غزة أو توحي بتخليها عن السيطرة على القطاع، ما اعتبرته إسرائيل ودول داعمة لها، مثل الولايات المتحدة، عقبة أساسية أمام تحقيق “تهدئة مستدامة”.
مرونة جزئية
في الآونة الأخيرة، ومع اشتداد القصف وتفاقم الكارثة الإنسانية، أظهرت حماس مرونة جزئية في التعامل مع المبادرات الأممية والعربية، خصوصاً تلك التي تقودها قطر ومصر، لكنها لم تُبدِ استعداداً للتخلي عن موقعها السياسي أو الأمني. الحركة تعتبر هذا المطلب “غير منطقي”، خصوصاً وأنها ترى نفسها في حالة دفاع عن شعبها، بينما تتهم إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” تُجرّمها القوانين الدولية، وبالتالي لا تقبل أن تُعامل كطرف يجب أن يُعاقب أو يُقصى من أي تسوية لاحقة.
من جهة أخرى، تُوظّف حماس الحراك الشعبي العالمي كوسيلة ضغط بديلة على الاحتلال والمجتمع الدولي. دعوتها الأخيرة لجعل يوم السبت المقبل يوماً للإضراب الشامل حول العالم، وتحريضها المستمر على تصعيد الحراك في المدن والعواصم العالمية، بما في ذلك الدعوة لحصار السفارات الإسرائيلية والأميركية، تعكس رهانها على “تحشيد الشارع العالمي” لفرض معادلة جديدة من الضغط السياسي، بعيداً عن طاولة المفاوضات التقليدية التي كثيراً ما تُستخدم كأداة لإملاء الشروط.
تمسّك حماس بالبقاء
كما أن دعوة الحركة لطلبة الجامعات في الضفة الغربية للخروج في مظاهرات، تكشف عن مسعى لتوحيد الجبهات الداخلية الفلسطينية على أرضية مقاومة الاحتلال، دون السماح بانقسام سياسي يُستثمر لتهميش دورها. هذا التوجه يعزز رواية حماس بأنها “الممثل الحقيقي للمقاومة”، وترفض أن تتحول إلى “جسم وظيفي” يُستخدم لملء الفراغ في مرحلة ما بعد الحرب دون ضمانات سياسية واضحة.
ومع أن هناك ضغوطاً هائلة تُمارَس على الحركة، سواء من أطراف إقليمية أو دولية، لدفعها إلى القبول بخارطة طريق تشمل انتقالاً سياسياً في غزة، إلا أن تمسّك حماس بالبقاء في السلطة يعكس قناعتها بأنها لا تزال تملك ورقة الشارع، وشرعية المقاومة، وحاضنة شعبية قوية، رغم المعاناة الواسعة في القطاع.
بالتالي، فإن محاولات حماس لفرض وقف لإطلاق النار دون تقديم تنازلات سياسية تُعد جزءاً من استراتيجيتها الطويلة الأمد، القائمة على تعزيز صمودها وشرعيتها كقوة مقاومة لا تُهزم، وليست مجرد فصيل سياسي يمكن تجاوزه أو إخراجه من المشهد بمعادلات إقليمية أو صفقة ضغوط دولية.