مع اقتراب فصل الصيف، تتجه الأنظار إلى التطورات المحتملة على جبهات القتال في أوكرانيا، وسط تصعيد تدريجي في العمليات وتكهنات حول نوايا موسكو المقبلة. وفي هذا السياق، نشر الخبير العسكري الروسي ميخائيل خودارينوك مقالًا تحليليًا في صحيفة “غازيتا” الروسية، استعرض فيه رؤيته لمجريات الحرب خلال الشهور القادمة، محددًا ما وصفه بـ”بنك أهداف” تسعى روسيا لضربه من أجل تحسين شروطها في أي مفاوضات قادمة.
أوكرانيا بين الصمود والاستنزاف
يرى خودارينوك أن الوضع الإستراتيجي لأوكرانيا معقّد للغاية، إذ تواجه كييف تحديات متصاعدة على عدة مستويات، خصوصًا بعد أشهر طويلة من القتال المستمر دون تحقيق اختراقات حاسمة. ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية لم تنهَر بعد على نحو كارثي، ولم تُسجّل حتى الآن هزائم ميدانية شاملة قد تدفعها إلى التسليم أو التفاوض بشروط مجحفة.
ويعزو هذا التماسك إلى ثقة القيادة الأوكرانية، وتحديدًا الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بأن ميزان القوى لا يزال متقاربًا، أو على الأقل لم يُحسم بشكل نهائي لصالح روسيا. فبحسب التحليل الروسي، لا تزال كييف تراهن على إمكانية تغيير مفاجئ في مسار العمليات، سواء عبر الدعم الغربي أو نجاحات ميدانية محدودة تتيح لها تحسين موقفها التفاوضي.
ملامح الحملة الروسية المرتقبة
في المقابل، يشير الكاتب إلى أن روسيا تستعد لصيف عسكري حاسم، تسعى من خلاله إلى ترجيح الكفة ميدانيًا بشكل واضح، ما يمكن أن ينعكس مباشرة على طاولة المفاوضات. ويحدد خودارينوك جملة من الأهداف المحتملة التي ستشكل جوهر الاستراتيجية الروسية خلال الحملة المقبلة.
الهدف الأول، بحسب المقال، هو ضرب التشكيلات البرية الأساسية للقوات الأوكرانية، خصوصًا في المحاور العملياتية ذات الأهمية الكبرى، مثل الشرق وجنوب شرق البلاد. وتطمح موسكو من خلال ذلك إلى إضعاف القدرة القتالية للقوات الأوكرانية ومنعها من شنّ هجمات مضادة أو تثبيت خطوط دفاعية طويلة الأمد.
استهداف العمق: الاقتصاد والبنية التحتية
واحدة من أهم ركائز هذه الخطة، كما يوضح الخبير الروسي، تتمثل في استهداف الاحتياطيات الإستراتيجية للجيش الأوكراني، أي القوات والمعدات التي تُعدّ لمعارك مقبلة، وذلك قبل أن يُتاح لها الدخول الفعلي إلى ساحات القتال. ويُفترض أن تشمل هذه الضربات مواقع التدريب، ومراكز التجميع، وممرات الإمداد.
إضافة إلى ذلك، يتوقع الكاتب تصعيدًا في استهداف مراكز القيادة والإدارة، سواء العسكرية أو الحكومية، في محاولة لتقويض القدرة التنظيمية الأوكرانية وإحداث فوضى في منظومة اتخاذ القرار.
وفي سياق موازٍ، تبرز البنية التحتية المدنية كهدف رئيسي آخر، حيث يشير التحليل إلى أن روسيا قد تستهدف شبكات الكهرباء، والاتصالات، وخطوط السكك الحديدية، بهدف إضعاف الجبهة الداخلية الأوكرانية والتأثير على الروح المعنوية، فضلاً عن تعطيل حركة الإمدادات العسكرية والمدنية على حد سواء.
المفاوضات: حسابات القوة قبل الطاولة
يرى خودارينوك أن جميع هذه الخطوات تهدف في نهاية المطاف إلى فرض واقع ميداني يضع موسكو في موقع تفاوضي متقدم. فبرأيه، لا تنوي روسيا خوض حرب استنزاف مفتوحة إلى ما لا نهاية، بل تبحث عن لحظة مناسبة لطرح شروطها بقوة، سواء عبر اتفاق مرحلي أو تسوية شاملة تُنهي النزاع بشروط تحقق لها أهدافها الإستراتيجية.
لكن الوصول إلى تلك اللحظة يتطلب، بحسب القراءة الروسية، كسر إرادة أوكرانيا على الصمود، وإظهار أن استمرار الحرب لن يفضي إلا إلى خسائر أكبر، مع تآكل الدعم الخارجي وفقدان الأمل في تحقيق مكاسب ميدانية.
صيف مشتعل وشتاء غامض
بينما يتأهب الطرفان لصيف حاسم على الأرض، لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تراوح مكانها بين الطموح والقدرة، وبين المعنويات والحقائق الميدانية. ويبقى السؤال المطروح في الأفق: هل تنجح موسكو في كسر المعادلة، أم أن كييف ستفاجئ الجميع مرة أخرى؟ في هذا الصراع، لا شيء محسوم حتى اللحظة الأخيرة، ولا مفاوضات تُكسب من دون نار تسبقها.