في ظل واقع استثنائي يتسم بتحديات الاحتلال والاستيطان ومحدودية السيطرة على الموارد، تسعى الحكومة الفلسطينية إلى ترسيخ مفهوم الصمود من خلال تعزيز قطاع الزراعة باعتباره خط الدفاع الأول في معركة الحفاظ على الأرض والبقاء. وقد أكد رئيس الوزراء محمد مصطفى هذه الرؤية، معتبرًا أن الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي فحسب، بل تمثل حائط صد في وجه الاستيلاء الإسرائيلي على الأراضي، وأداة فاعلة في تثبيت المواطن الفلسطيني في أرضه، وتعزيز أمنه الغذائي.
التحكم الإسرائيلي في البنية التحتية المائية.
جهود الحكومة لا تقتصر على التصريحات السياسية، بل تجسدت من خلال سلسلة من التدخلات العملية ضمن مبادرة “بذور التغيير” التي أطلقتها وزارة الزراعة. هذه المبادرة تسعى إلى تحقيق تحول بيئي وزراعي مستدام رغم الإمكانيات المحدودة والإغلاق المتكرر، وذلك عبر تعزيز الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية، والتوسع في استصلاح الأراضي، وزيادة إنتاج المحاصيل والأعلاف، وتوفير البنية التحتية الحيوية للري، الأمر الذي يحمل أبعادًا استراتيجية على مستوى الأمن الغذائي والسيادة الزراعية.
في غضون ستة أشهر فقط، نجحت المبادرة في توزيع كميات كبيرة من التقاوي المحسّنة للبطاطا والقمح المقاوم للجفاف، وتحسين السلالات النباتية والحيوانية، وتحقيق مستويات عالية من التحصين ضد الأمراض الحيوانية. كما توسعت في توفير شبكات الري الحديثة وتحلية المياه الجوفية، وهي خطوات تكتسب أهمية مضاعفة في ظل مصادرة الاحتلال لمصادر المياه الفلسطينية، والتحكم الإسرائيلي شبه الكامل بالبنية التحتية المائية.
هجمات المستوطنين ومصادرة الأراضي
هذه الجهود تشير إلى مساعٍ فلسطينية جادة نحو الاستقلال الزراعي التدريجي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد في المواد الغذائية الأساسية، لا سيما أن المؤشرات تشير إلى وجود اكتفاء ذاتي في بعض المحاصيل مثل الخضروات (133%) والدواجن والبيض. غير أن التحديات لا تزال ماثلة، خصوصًا في قطاعي اللحوم الحمراء والمحاصيل الحقلية، وهما مجالان تعمل المبادرة على تطويرهما من خلال زراعة عشرات آلاف الدونمات سنويًا، وزيادة أعداد الثروة الحيوانية.
الحكومة الفلسطينية، من خلال هذه السياسات، تحاول إيجاد معادلة صعبة تجمع بين البقاء في الأرض وإدارتها رغم الاحتلال، وتحقيق إنتاجية زراعية ذات بعد سيادي. التحدي الأكبر يكمن في ضمان استدامة التمويل وتوفير الحماية للمزارعين وممتلكاتهم التي تتعرض بشكل متكرر لهجمات المستوطنين ومصادرة الأراضي، وهو ما يتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب دعم المجتمع الدولي لمثل هذه المبادرات التنموية التي تلامس جوهر الحق الفلسطيني في الأرض والموارد والسيادة.