تمر الضفة الغربية عامة بظروف قاسية عامة ومحافظتا جنين وطولكرم بشكل خاص،وتبدو الحكومة الفلسطينية بقيادة الدكتور محمد مصطفى مصممة على تقديم نموذج ميداني فعّال يعكس التزامها الفعلي تجاه شعبها، لا سيما أولئك الذين دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة للعدوان الإسرائيلي المستمر. افتتاح جلسة مجلس الوزراء في محافظة جنين ليس مجرد خطوة رمزية، بل يحمل دلالة سياسية وإنسانية قوية، تؤكد أن الحكومة تتواجد بين الناس في مواقع الألم والمعاناة، وتتحرك بخطط عملية لا شعاراتية.
إعمار طويل الأمد
الجهود الحكومية لإيواء النازحين تعكس فهمًا دقيقًا لطبيعة الأزمة، حيث لم تكتف السلطة بتقديم مساعدات إغاثية مؤقتة، بل بادرت إلى إطلاق خطة متكاملة تجمع بين الإيواء العاجل والتأهيل المرحلي والتحضير للإعمار طويل الأمد. من أبرز هذه التدخلات تأمين مساكن مستأجرة للأسر الأكثر هشاشة، وخاصة التي تضم مرضى أو أصحاب ظروف خاصة، وهو ما يعكس بُعداً إنسانياً في التعامل مع الأزمة، بدلاً من الاكتفاء بتقديم مأوى جماعي أو مؤقت يفتقر للخصوصية والكرامة.
في موازاة ذلك، تعمل الحكومة على إقامة مساكن مؤقتة للعائلات المتضررة بالكامل، مع تخصيص موارد مالية لإصلاح المنازل المتضررة جزئياً، وهو توجه ذكي يساهم في إعادة إحياء الدورة الاقتصادية محلياً من خلال تشغيل عمال البناء والنجارين والموردين، ما يفتح نافذة أمام العاطلين عن العمل للمشاركة في عملية إعادة الإعمار. هذه الاستراتيجية تؤكد أن الحكومة لا تتعامل مع الوضع ككارثة إنسانية فقط، بل كفرصة لتعزيز الصمود وإعادة تدوير الاقتصاد المحلي.
ترميم النسيج الاجتماعي
على صعيد الخدمات الصحية، يبدو أن الحكومة الفلسطينية تولي اهتماماً خاصاً بقطاع الصحة في جنين، حيث وجّهت وزارة الصحة لتوفير مستلزمات طبية طارئة، واستكمال مشاريع تطويرية في مستشفى جنين الحكومي تشمل أقسام القلب والقسطرة والعناية المكثفة وقسم الكلى، وهي خطوة حاسمة لتحسين قدرة المستشفى على الاستجابة لحالات الطوارئ. كما يُعد تسريع العمل على إنشاء المستشفى الهندي التخصصي في بلدة عرابة دليلاً على أن الحكومة تعمل برؤية استراتيجية تشمل تعزيز البنية التحتية الطبية على المدى الطويل، وليس فقط مواجهة الحالات الطارئة.
في بُعد آخر، تتبنى الحكومة مقاربة شاملة للحماية الاجتماعية من خلال دعم الأسر الفقيرة، وتمكين النساء، وتكثيف التدخلات الإغاثية، وهو توجه يعكس وعياً سياسياً بأن المعركة ليست فقط في إعادة البناء المادي، بل أيضاً في ترميم النسيج الاجتماعي ومواجهة الفقر والتهميش الذي يمكن أن يتحول إلى وقود لأزمات قادمة.
اجتماع رئيس الوزراء مع المحافظ وقادة المؤسسات الأمنية والمدنية يسلّط الضوء على تنسيق الجهود بين كافة الأجهزة، وهو ما يعزز فعالية الاستجابة الحكومية ويزيد من فرص النجاح في تنفيذ الخطط المعلنة. كما أن عقد الجلسة الوزارية في جنين، المدينة الصامدة التي تعاني منذ 106 أيام من عدوان إسرائيلي مستمر، يبعث برسالة صريحة بأن الحكومة لا تفرّ من المسؤولية، بل تواجهها ميدانياً وبجرأة.
رفع الضغط عن المعابر
الدعم الشعبي والوطني لهذه الجهود يجب أن يكون حاضراً، من خلال تعزيز الثقة في الخطط الحكومية، وتقديم الدعم الشعبي والمؤسساتي، والعمل على حماية هذه المبادرات من محاولات الإحباط أو التشكيك التي قد تعرقل العمل الميداني. كما يجب على المجتمع الدولي، إذا كان جاداً في مواقفه الإنسانية، أن يدعم هذه الجهود ليس فقط بالأقوال، بل بالأفعال من خلال توفير تمويل عاجل ورفع الضغط عن المعابر لتسهيل إدخال المواد والمعدات اللازمة للإعمار.
تبدو الحكومة الفلسطينية في هذه المرحلة وكأنها تتحرك بخطى ثابتة نحو تعزيز صمود أهلها، لا بالاكتفاء بإصدار بيانات، بل من خلال تدخلات ملموسة ومؤسساتية تعكس مسؤولية وطنية عالية. هذه الروح هي التي يحتاجها الشعب الفلسطيني الآن، أكثر من أي وقت مضى.