ترؤس رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى الجلسة الأسبوعية للحكومة في مدينة طولكرم يأتي في لحظة حساسة تعكس حجم التحديات التي تواجهها السلطة الفلسطينية، وسط تصاعد الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية واستمرار المجازر المفتوحة في غزة. اختيار مدينة طولكرم كمقر لاجتماع الحكومة ليس مجرد خطوة بروتوكولية، بل يحمل رسالة سياسية واضحة: محاولة لإعادة ربط الحكومة بالميدان، وللتأكيد على حضورها الفعلي في قلب المناطق المتضررة، في ظل اتهامات متزايدة بالغياب أو العجز عن مواجهة الواقع المتدهور.
الاستجابة السريعة للأزمات المحلية
الحكومة الفلسطينية، بقيادة محمد مصطفى، تجد نفسها أمام معادلة معقدة، تحاول فيها التحرك ضمن مساحة ضيقة جداً بين الاحتلال الذي يتحكم في تفاصيل الحياة اليومية، وبين احتياجات الناس التي تزداد إلحاحاً. ومع تزايد وتيرة الاقتحامات، وارتفاع أعداد المعتقلين، وهدم المنازل، والإغلاقات، تتجه الحكومة إلى التركيز على الحد الأدنى الممكن من التدخلات، عبر تحسين القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات المحلية، ودعم البلديات، ومتابعة ملف المعتقلين، ومحاولة توفير الدعم الاقتصادي والاجتماعي في ظل الانهيار التدريجي لقطاعات الخدمات الأساسية.
زيارة طولكرم، وهي إحدى المدن التي شهدت اقتحامات عنيفة ومواجهات مستمرة، تعكس محاولة لكسب ثقة الشارع وإعادة الاعتبار لدور الحكومة، خصوصاً في مواجهة تمدد المستوطنين، وتصاعد عنف الجيش، وانفجار الأوضاع الميدانية. ففي ظل عجز سياسي واضح على المستوى الدولي، تبدو التحركات المحلية، كعقد الجلسات في مدن المواجهة، بمثابة تعويض سياسي ومعنوي عن هذا العجز، ومحاولة للتأكيد أن الحكومة لا تزال تمتلك الشرعية، وأنها ليست منفصلة تماماً عن المعاناة اليومية للناس.
تحركات دبلوماسية
جهود الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية تمثلت في سلسلة إجراءات تسعى إلى ضمان استقرار رواتب الموظفين رغم أزمة المقاصة، وتوفير بعض الدعم للمزارعين والقطاعات المنهارة، بالإضافة إلى تحركات دبلوماسية لتأمين مساعدات مالية من المانحين. لكن كل هذه الخطوات تبقى محدودة في أثرها ما دامت إسرائيل تمسك بكل مفاتيح الحياة: من الحدود إلى الموارد إلى الحركة.
الجانب الأكثر إلحاحاً اليوم هو استعادة الثقة الشعبية، وهي مهمة شاقة في ظل حالة الإحباط العام وانهيار الأمل السياسي. فحكومة مصطفى مطالبة بالخروج من القوالب التقليدية، وتوسيع مظلة المشاركة الشعبية في صناعة القرار، خاصة مع تنامي شعور الفلسطينيين بأنهم وحدهم في مواجهة منظومة استعمارية تستهدف وجودهم.
تخفيف المعاناة
التواجد في المدن ليس بديلاً عن الحضور الفعلي في حياة الناس، لكنه خطوة أولى ضرورية لإعادة بناء علاقة بين المواطن والمؤسسة الرسمية. ونجاح الحكومة في تخفيف المعاناة سيتوقف على مدى قدرتها على مواجهة الاحتلال ميدانياً، وتجاوز البيروقراطية، والاستثمار في شبكات التضامن المحلي والبلدي، وإعادة توجيه الموارد نحو الاحتياجات الأساسية.
جلسة طولكرم قد تكون مجرد بداية، لكنها تحمل في طياتها اختباراً حقيقياً: هل تستطيع الحكومة أن تُثبت أنها أكثر من مجرد إدارة للأزمة، وأن تتحول إلى جزء من مشروع صمود وطني يعيد للناس ثقتهم بأن هناك من يشعر بهم ويعمل من أجلهم؟