تتحرك الحكومة الفلسطينية، برئاسة الدكتور محمد مصطفى، ضمن مساحة معقدة من القيود والتحديات، لكنها تحاول في هذه المرحلة العصيبة توظيف كل أدواتها الممكنة، الدبلوماسية والميدانية، للتخفيف من حدة العدوان الإسرائيلي الواقع على الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية. الجهد لا يُقاس فقط بمدى فعالية الأدوات، بل أيضًا بقدرة الحكومة على تمثيل معاناة الفلسطينيين ونقلها إلى العالم ضمن خطاب منظم ومتماسك يحظى بالشرعية والقبول الدولي.
تفعيل الجبهة الدبلوماسية
الرسالة الأساسية التي تحاول الحكومة إيصالها بوضوح هي أن إسرائيل لا تستهدف فقط مواقع عسكرية أو بنى تحتية، بل تُمارس عدوانًا منهجيًا يستهدف المشروع الوطني الفلسطيني بكامله: الأرض، والهوية، والسيادة. لهذا فإن المواجهة ليست فقط عسكرية أو أمنية، بل سياسية بالدرجة الأولى، تتطلب تفعيل الجبهة الدبلوماسية بكل طاقتها. وتأتي تصريحات مصطفى في هذا الإطار كجزء من إعادة صياغة الخطاب السياسي الفلسطيني، بحيث يتقاطع مع خطاب حقوق الإنسان الدولي ويضغط باتجاه المساءلة.
المواقف الدولية الأخيرة، خاصة من بريطانيا وفرنسا وكندا، تمثل لحظة سياسية حساسة تحاول الحكومة استثمارها إلى أقصى حد. هذا التحول النسبي في الخطاب الغربي، وإن لم يصل بعد إلى مستوى العقوبات أو وقف الدعم العسكري، إلا أنه يُعتبر تطورًا ملموسًا في الموقف السياسي، خصوصًا إذا قورن بالتحفظات الغربية التقليدية التي كانت تسعى دومًا إلى توازن شكلي بين طرفي الصراع.
وحدة وطنية ميدانية في وجه الاحتلال
الحكومة تسعى لتوسيع هذا الحراك عبر زيارات ميدانية تنظمها بالتنسيق مع الخارجية، كما جرى مؤخرًا في طولكرم، والمراد له أن يتكرر في جنين، لتقديم صورة حية للمعاناة اليومية أمام المجتمع الدولي.
في موازاة الحراك الدولي، تبذل الحكومة جهودًا داخلية لتعزيز الصمود المجتمعي، من خلال الجلسات الميدانية في المحافظات، كما حدث في بيت لحم، واللقاءات مع القوى المحلية والمؤسسات المدنية. هذه الخطوات ترمي إلى ترميم الجبهة الداخلية، التي تضررت بفعل الانقسام من جهة، وبفعل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. التوجه نحو “وحدة وطنية ميدانية” في وجه الاحتلال يعكس إدراكًا متزايدًا بأن مواجهة هذا العدوان لا تحتمل التشتت أو الانقسامات.
إنتاج ضغوط دولية ملموسة
استمرار الحكومة الفلسطينية في بذل أقصى جهد دبلوماسي وسياسي في ظل هذه الظروف الصعبة يمثل مقاومة من نوع آخر، تحافظ على الحد الأدنى من التمثيل السياسي وتمنع الاحتلال من الاستفراد الكامل بالسردية.
التحركات الحالية للحكومة تُظهر محاولة جدية لربط المعركة على الأرض بالمعركة في الرأي العام العالمي، وإعادة تقديم القضية الفلسطينية كقضية عدالة وحرية، لا كملف أمني أو صراع ديني كما تحاول إسرائيل تصويره.
والرهان الأكبر يبقى على مدى قدرة هذا الحراك على إنتاج ضغوط دولية ملموسة تُجبر الاحتلال على وقف عدوانه، وتفتح أفقًا سياسيًا يعيد وضع القضية الفلسطينية في مركز اهتمام العالم.