في خطوة لافتة تعكس تحولاً تدريجياً في التعاطي العربي مع الملف السوري، أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر عن تقديم دعم مالي مشترك للعاملين في القطاع العام السوري لمدة ثلاثة أشهر، في إطار ما وصفوه بـ”التزامهما الثابت بدعم جهود التنمية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا”. هذا البيان أثار تفاعلات واسعة، وفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة هذا الدعم، وأهدافه، وعلاقته بملف العقوبات الغربية المفروضة على دمشق.
أول الغيث: دعم مالي مباشر من السعودية وقطر لسوريا
بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن السعودية وقطر ستقدمان دعمًا ماليًا موجهًا للعاملين في القطاع العام السوري لمدة ثلاثة أشهر. ويأتي هذا الدعم بعد مساهمات سابقة في سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، ما يعكس تحركًا تدريجيًا نحو دعم اقتصادي مباشر للنظام السوري.
وصرحت الدولتان بأن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية “واضحة وشاملة” لتعزيز فرص التنمية في سوريا، وتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي مستدام.
خلفيات الدعم: من بوابة الاقتصاد إلى إعادة التوازن السياسي
وير محللون أن هذا الدعم لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع. فالمساعدات المالية لا تستهدف فقط تخفيف المعاناة المعيشية للسوريين، بل تحمل أيضًا رسائل واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وقطر، مستعدة للعب دور محوري في تعافي سوريا، ولكن بشروط جديدة.
ويعتقد مراقبون أن هذا التحرك يعكس رغبة خليجية في كسر الجمود، وطرح مبادرة تقوم على “التطبيع مقابل التنازلات”، بحيث يكون الدعم المالي أداة ضغط لرفع أو تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على سوريا منذ اندلاع الحرب في 2011.
الشرع يعلّق: الدعم مرحب به.. لكن لا يكفي
في أول تعليق رسمي من داخل سوريا، قال الرئيس السوري بالإنابة، أحمد الشرع، إن “الدعم المالي الخليجي موضع ترحيب كبير، ويعكس تحولات إيجابية في العلاقات العربية-العربية”. لكنه أضاف: “سوريا تحتاج إلى أكثر من مجرد دعم مرحلي؛ نحتاج إلى خطة تنمية شاملة وإعادة بناء حقيقية، تتطلب رفع العقوبات الظالمة، والسماح بتدفق الاستثمارات”.
وأشار “الشرع” إلى أن “الأزمة الاقتصادية في سوريا لا يمكن حلّها بدفعات مالية مؤقتة، بل بفتح الأبواب أمام التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي بشكل فعّال”.
هل نحن أمام صفقة خليجية – دولية؟
ويرى الخبير الاقتصادي السوري د. فراس العلي، أن الخطوة السعودية-القطرية “جزء من خطة أكبر لإعادة دمج سوريا تدريجياً في النظام الإقليمي والدولي”، لكنه حذّر من “التسرع في تقييم النتائج، فالدعم لمدة 3 أشهر لا يحل جذور الأزمة، بل هو مؤشر لحراك دبلوماسي أكبر خلف الكواليس”.
من جهته، يقول الخبير الخليجي د. عبدالله السالم إن “ربط الدعم بآليات إصلاح اقتصادي حقيقي في سوريا هو ما يجعل منه مؤثراً. أما تقديم المال دون مراقبة أو ربطه بتغيرات على الأرض، فلن يكون سوى مسكن مؤقت”.
هل يشكل الدعم المالي بوابة لرفع العقوبات؟
السؤال الأبرز اليوم: هل هذه المبادرة الاقتصادية تحمل في طياتها تحركات سياسية سرية نحو الضغط على الدول الغربية لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا؟
وطلب دبلوماسي غربي، عدم الكشف عن اسمه قال إن “ثمة مؤشرات على نقاشات تجري في الكواليس، خصوصاً داخل الاتحاد الأوروبي، حول مراجعة تدريجية لبعض بنود العقوبات، مقابل خطوات ملموسة من النظام السوري في ملفات إنسانية وسياسية”.
بين الدعم والاشتراطات.. مستقبل سوريا مرهون بالتوازنات
بين التصريحات المتفائلة والتحليلات الحذرة، يبدو أن الدعم المالي الخليجي لسوريا هو بداية لمرحلة جديدة، لكن مآلاتها ستعتمد على قدرة جميع الأطراف على تحويل المساعدات من مجرد دفعات مالية إلى أدوات ضغط ذكية لإحداث تحول اقتصادي وسياسي حقيقي.
فهل تكون هذه الخطوة مقدمة لحل سياسي شامل؟ أم أنها مجرد محاولة لتثبيت الوضع دون تغييره جذريًا؟