على الرغم من التقدم العسكري الملحوظ للجيش السوداني في عدة جبهات، لا تزال قوات الدعم السريع الموالية لمحمد حمدان دقلو “حميدتي” تمضي قدمًا في خطواتها نحو تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها. وفي تطور جديد، أعلن رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، حذيفة أبو نوبة، أنهم يخططون لإعلان حكومة خلال الأيام القليلة المقبلة، في خطوة تعكس استمرار الانقسام العميق في المشهد السياسي السوداني.
تشكيل مجلس رئاسي من تحالف متشظٍ
من المنتظر أن يتشكل مجلس رئاسي من 15 عضوًا، يتم اختيارهم من قبل “تحالف السودان التأسيسي”، الذي تشكل بداية هذا العام ويضم قوات الدعم السريع، مع مجموعات مسلحة وسياسية موالية لها. وستتمتع هذه الهيئة بصلاحيات واسعة تشمل تعيين وإقالة رئيس مجلس الوزراء، واعتماد تعيين الوزراء، والمجلس العدلي المؤقت، إلى جانب تعيين قضاة ورؤساء القضاء والمحكمة الدستورية، فضلاً عن النائب العام والمراجع العام.
كما نص الدستور الذي أعلنته قوات الدعم السريع على تشكيل هيئة تشريعية تأسيسية مستقلة تضم مجلس الأقاليم ومجلس النواب، بتركيبة تمثل مختلف المناطق. وتؤكد هذه الخطوة تصميم الدعم السريع على بناء مؤسسات موازية تكرس واقع التقسيم السياسي للسودان.
تحديات دولية وتحذيرات من وحدة البلاد
رغم التحذيرات المتكررة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن خطورة تشكيل حكومة موازية على وحدة السودان واستقراره، أكدت قوات الدعم السريع أن مجلسها الرئاسي سيضطلع بمهام تشمل تعيين السفراء وإعلان حال الطوارئ، وحتى اتخاذ قرار إعلان الحرب، ما يشير إلى تصميم على المضي في مشروع منفصل عن السلطة المركزية.
رؤية حميدتي: حكومة مدنية وخدمات للجميع
في منتصف أبريل الماضي، أكد زعيم الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” أن حكومتهم المزمع تشكيلها ستكون تحالفًا مدنيًا واسعًا يهدف إلى تقديم الخدمات الأساسية في كل أنحاء السودان، وليس فقط في مناطق سيطرتها. وأشار إلى خطط لإصدار عملة ووثائق هوية جديدة، ما يعكس طموحاتهم لتأسيس كيان مستقل يخاطب الهوية الوطنية على نحو مختلف.
المعارك في دارفور وتحولات على الأرض
تحاول قوات الدعم السريع الاستحواذ على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، وهو أمر يعكس أهمية السيطرة على دارفور في المعادلة السياسية والعسكرية. رغم محاولاتهم، ظل الجيش يحتفظ بوجوده ويستعيد بعض المدن، ما أبطأ خطوات الدعم السريع نحو إكمال سيطرتها.
ميثاق سياسي ودستور انتقالي جديد
في فبراير الماضي، وقعت قيادة الدعم السريع ومجموعاتها الموالية ميثاقًا سياسيًا في نيروبي يمهد لتشكيل الحكومة الموازية. وفي مارس، تم التوقيع على وثيقة دستور انتقالي تضع أسس دولة علمانية لا مركزية، مع رؤية لفترة انتقالية تتراوح بين انتهاء الحرب ومرحلة تمتد لعقد من الزمن. من بين الموقعين بارزون من الحركات المسلحة والسياسية، بينها الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، وحركات تحرير السودان، إضافة إلى سياسيين بارزين مثل رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة.
ويُلغى هذا الدستور الوثيقة الدستورية الانتقالية لعام 2019، مع إعلان تأسيس سودان جديد يقوم على المواطنة المتساوية، فصل الدين عن الدولة، واحترام التنوع الثقافي والعرقي.
خريطة طريق الحكومة الشرعية
مقابل هذه التحركات، طرحت وزارة الخارجية السودانية في فبراير خطة شاملة لاستئناف العملية السياسية، تتضمن حوارًا وطنيًا وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة. هذه الخطة تسعى إلى تجاوز الأزمة عبر توافق وطني وإنهاء الاقتتال المستمر.
المعارك مستمرة والآفاق غامضة
بينما يستعيد الجيش السوداني عدة مواقع استراتيجية، تستمر المعارك في ولايات كردفان ودارفور، حيث يحاول التقدم نحو الفاشر وفتح جبهات جديدة ضد الدعم السريع. وبالرغم من هذا الزخم العسكري، فإن تحركات الدعم السريع السياسية تشكل تحديًا إضافيًا أمام جهود تحقيق السلام والوحدة الوطنية.
هذا الوضع المعقد يعكس أزمة السودان العميقة، حيث تتداخل النزاعات المسلحة مع التحولات السياسية، في ظل تصاعد الانقسامات التي قد تطول أمدها، وتضع مستقبل البلاد في حالة من عدم اليقين.