كشفت وكيل وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي في فلسطين، هدى الوحيدي، عن حجم الأضرار “غير المسبوق” الذي طال البنية التحتية الرقمية، خصوصًا في قطاع غزة، محذّرة من أن ما تواجهه البلاد لم يعد مجرد أزمة قطاعية، بل يمثل تهديدًا إنسانيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا متفاقمًا يستدعي تحركًا دوليًا فوريًا.
وخلال مداخلتها في اجتماع مجلس إدارة الاتحاد الدولي للاتصالات، عرضت الوحيدي أرقامًا وصفت بأنها “صادمة”، بعدما بيّنت أن أكثر من 74% من أصول قطاع الاتصالات في غزة قد دُمّرت بالكامل أو بشكل جزئي، وأن الخسائر المباشرة تجاوزت حاجز 164 مليون دولار. ومع الانهيار المتسارع في القدرة التشغيلية، يعمل القطاع الآن بأقل من 40% من طاقته بسبب النقص الحاد في الوقود، فيما تتوقع الوزارة أن تصل الخسائر الاقتصادية خلال السنوات الخمس المقبلة إلى نحو 736 مليون دولار.
وتحدثت الوحيدي عن تدمير واسع طال 580 برجًا خلويًا، بالإضافة إلى شبكات الألياف الرئيسة التي تمثل العمود الفقري للاتصال الرقمي. ومع هذا التدمير المادي، يتفاقم الخلل في البيئة الاتصالية على المستوى الوطني، ليشمل أيضًا الضفة الغربية، حيث تقدر الخسائر هناك بأكثر من 215 مليون دولار، جراء الاجتياحات المتكررة والإغلاقات المتواصلة، فضلًا عن التوسع غير القانوني للبنية التحتية الإسرائيلية الذي عطّل مشاريع التطوير الفلسطينية، وفرض واقعًا رقمياً مفروضاً من الخارج.
لكن المأساة لا تتوقف عند الأرقام. فالوحيدي أكدت أن أكثر من 150 من الفنيين والعاملين في قطاع الاتصالات فقدوا حياتهم خلال العدوان الأخير، ما يضيف إلى الجرح الإنساني بُعدًا مؤلمًا يمس كوادر ميدانية تُعدّ شريان التشغيل الفعلي للخدمات التقنية في المناطق المحاصرة.
ورغم أن مجلس إدارة الاتحاد الدولي للاتصالات سبق أن أصدر القرار رقم 1424 في العام الماضي، والذي ينص على دعم جهود إعادة بناء قطاع الاتصالات الفلسطيني، إلا أن الوحيدي عبّرت بوضوح عن “خيبة أمل” إزاء غياب أي تنفيذ فعلي، سواء في مجال رصد الاحتياجات، أو وضع خطة عملية، أو حتى الشروع بتوفير التمويل اللازم. واعتبرت أن مرور عام على صدور القرار دون خطوات ملموسة يؤشر إلى حالة “جمود بيروقراطي غير مقبولة”، في ظل تسارع الانهيار الميداني.
في ضوء ذلك، صادق المجلس على جملة من المطالب الفلسطينية الجديدة، أبرزها إعداد خطة تنفيذية واضحة تُرفع إلى وزارة الاتصالات خلال شهر، مع اعتماد تقرير دوري حول التقدم المحرز كل ستة أشهر، وإنشاء صندوق تمويلي خاص تحت إشراف الاتحاد الدولي لدعم جهود إعادة الإعمار.
كما طرحت فلسطين ملف تصنيف قطاع الاتصالات ضمن “الخدمات الإنسانية الأساسية” التي يجب تحييدها وحمايتها أثناء النزاعات، وطالبت بتمكين الفلسطينيين من استخدام الطيف الترددي، وتوفير تقنيات الجيل الرابع والخامس في كل الأراضي الفلسطينية قبل انعقاد مؤتمر التنمية العالمي للاتصالات (WTDC 2025). وشددت على ضرورة توفير الوقود والمعدات لمحطات الكهرباء والاتصالات، وحماية فرق العمل الفنية التي أصبحت مستهدفة بشكل مباشر.
وفي سياق متصل، التقت الوحيدي بالأمينة العامة للاتحاد، دورين بوغدان-مارتن، حيث تم التأكيد على التزام الاتحاد الكامل بدعم فلسطين، وتحويل قرار 1424 إلى خطوات ملموسة. وبحسب البيان الصادر عن الجانبين، فإن التركيز سيُنقل من التصريحات العامة إلى مستوى التخطيط التنفيذي، مع السعي إلى عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى للمانحين قبل انعقاد مؤتمر WTDC المقبل.
يبقى السؤال الأكبر المطروح على الطاولة الدولية: هل سيجد النداء الفلسطيني صدىً حقيقيًا في العواصم المعنية، أم أن قطاع الاتصالات في غزة سيبقى مجرد رقم في قوائم الخسائر التي لا تنتهي؟ يبدو أن الإجابة لن تكون تقنية فحسب، بل سياسية بامتياز، في ظل استمرار الاحتلال وتراجع التزامات المجتمع الدولي في ملف إعادة إعمار غزة، ليس فقط عمرانيًا، بل رقميًا أيضًا.