المظاهرات التي شهدتها مدينة كالغاري في الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية تعبّر عن حالة من الوعي المتصاعد لدى الجاليات العربية والإسلامية، ومعها شرائح متزايدة من الرأي العام الغربي، تجاه ما يجري في قطاع غزة.
ورغم أن الاحتجاجات، من حيث الشكل، قد تبدو رمزية أو محدودة الأثر المباشر، فإنها تؤدي دورًا استراتيجيًا طويل الأمد في خلق ضغط شعبي تراكمي على الحكومات الغربية، وخصوصًا في دول مثل كندا، التي تُعد من أقرب الحلفاء لإسرائيل على المستوى السياسي والعسكري.
الرسالة السياسية
اللافت في مظاهرة كالغاري هو وضوح الرسالة السياسية التي حملتها: لا للاكتفاء بالتنديد، بل مطالبة مباشرة للحكومة الكندية بوقف الدعم العسكري لإسرائيل، وتحميل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن المجازر التي تُرتكب في غزة. الشعارات المرفوعة، مثل “النكبة ليست تاريخًا” و”إلى رئيس الوزراء: ماذا تفعل بينما يُقتل طفل كل لحظة؟”، تعكس تحوّلاً في الخطاب من مجرد تعاطف إنساني إلى دعوة للمحاسبة السياسية. وهذا النوع من الخطاب له وزن حقيقي داخل الأنظمة الديمقراطية، حيث يصعب على السياسيين تجاهل نبرة الشارع إذا أصبحت عالية ومستمرة.
المظاهرات لا تغيّر السياسات بين عشية وضحاها، لكنها تُعيد صياغة النقاش العام، وتحرّك المياه الراكدة في الإعلام والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني. ومع تكرارها واتساع رقعتها، تتحول من مجرد “أحداث موسمية” إلى أداة ضغط دائمة تُجبر صانعي القرار على إعادة النظر في مواقفهم، أو على الأقل تبرير دعمهم لإسرائيل أمام جمهور غاضب ومستنفر.
صادرات الأسلحة إلى إسرائيل
في السياق الكندي، هذه التحركات تضع الحكومة في موقف حساس، خصوصًا مع تزايد الجدل حول صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، والجدوى الأخلاقية من هذا الدعم في ظل تزايد التقارير الحقوقية حول انتهاكات إسرائيلية ضد المدنيين. وكلما ارتفع الصوت الشعبي في الشارع، أصبح من الصعب على الحكومة الاستمرار في تقديم الدعم من دون أن تواجه اتهامات بالشراكة في الجريمة.
كما أن المظاهرات تُسهم في كسر الرواية الإسرائيلية في الإعلام الغربي، حيث غالبًا ما تُقدَّم إسرائيل كضحية للإرهاب، بينما تُهمّش الجرائم ضد الفلسطينيين. وجود مظاهرات متكررة في مدن كندية وأوروبية وأميركية يُجبِر الإعلام على تغطية القضية من زوايا أخرى، ويُعزز من حضور الرواية الفلسطينية التي كانت لسنوات طويلة خارج المعادلة الإعلامية.
نسيج احتجاجي عالمي
جانب مهم آخر من الفاعلية هو أن هذه التحركات تبني قاعدة تضامن عابرة للهويات، حيث يُلاحظ تزايد مشاركة ناشطين غير عرب أو مسلمين، وهو ما يُخرج القضية من إطارها القومي أو الديني إلى قضية إنسانية عالمية، تستدعي تدخلًا دوليًا لا لأن الفلسطينيين عرب أو مسلمون، بل لأنهم بشر يُبادون على مرأى ومسمع العالم.
بالتالي، قد تبدو المظاهرة في كالغاري صغيرة مقارنة بالمشهد الدولي، لكنها ليست هامشية. بل هي جزء من نسيج احتجاجي عالمي يعيد رسم العلاقة بين الشعوب وحكوماتها في ما يخص القضية الفلسطينية، ويمنحها زخمًا معنويًا وسياسيًا متجددًا، لن يتوقّف حتى يتغيّر الواقع، أو تنفجر المواجهة بين الشارع وصانع القرار.