تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال إيال زمير، تأتي في توقيت حساس، وتكشف عن نوايا إسرائيلية واضحة بمواصلة التصعيد العسكري في قطاع غزة، بما يتجاوز مجرد عمليات محدودة أو دفاعية. التركيز المتكرر على “تحقيق هدفين متزامنين” – إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حركة حماس – يعكس صيغة مفتوحة للعملية العسكرية، لا تخضع لإطار زمني واضح، ولا ترتبط بسقف سياسي محدد، ما يعني أن إسرائيل ليست بصدد التهدئة بقدر ما تعيد رسم أهدافها في الميدان بما يبرر استمرار القتال.
هدنة شاملة
التأكيد على “الوصول قريبا إلى خطوط المرحلة الراهنة”، يوحي بأن الجيش يضع مراحله العسكرية وفق تخطيط تدريجي طويل الأمد، وأن ما يتم الآن ليس نهاية المعركة، بل مرحلة من مراحلها، وهو ما يعزز القناعة بأن المؤسسة العسكرية تُهيئ لسيناريوهات توسعية، بعيدًا عن منطق وقف إطلاق النار، أو الدخول في مفاوضات تقود إلى هدنة شاملة. كذلك فإن الإشارة إلى أن “خيارات العمل ستُعرض لاحقًا على القيادة السياسية”، تعني أن المؤسسة العسكرية ما زالت تملك زمام المبادرة، وهي التي تحدد شروط وسياقات التحرك، ما يقلّص من فرص أي انخراط سياسي جاد في مسار تفاوضي متوازن.
الأكثر دلالة هو ربط التصعيد في غزة بتداعيات الضربة ضد إيران، إذ يُفهم من قول زمير إن “الضربة ضد إيران قد تسهم في تعزيز أهدافنا في غزة” أن إسرائيل تعتبر أن تفوقها العسكري الإقليمي يعزز مناوراتها داخل القطاع، وأن هناك فهما أمنيا موحدا لدى القيادات الإسرائيلية يرى أن حسم المعركة في غزة مرتبط بتفكيك محور إقليمي أوسع. وهذا الربط يعكس انعدام الفصل بين الجبهات، ويؤشر على نية إسرائيل استثمار التصعيد الإيراني كرافعة لمزيد من العمليات ضد حماس، بدلًا من استثماره كورقة ضغط لتمرير تسوية أو تفاهمات.
مفاوضات الهدنة
التصريحات، من حيث توقيتها ومضمونها، تبدو منسجمة مع حالة المراوحة التي تعيشها مفاوضات الهدنة، حيث تتجاهل إسرائيل حتى الآن المبادرات الدولية والعربية التي طرحت مسارات لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، وتصر على مقاربة عسكرية بحتة. وهي بذلك تعطي انطباعًا واضحًا بأن أي تهدئة ستظل مشروطة بتحقيق انتصار ميداني، أو على الأقل، فرض وقائع استراتيجية جديدة في القطاع، وهو ما يعني فعليًا تعطيل مفاوضات الهدنة، إن لم يكن نسفها تمامًا.
في المحصلة، لا تبدو إسرائيل بصدد إنهاء الحرب في غزة في المدى القريب. بل تعكس تصريحات زمير إصرارًا على استكمال مشروع عسكري طويل، تُقدَّم فيه الأهداف القصوى – مثل القضاء على حماس – كشرط لأي تحرك سياسي لاحق. وبذلك، تتحول مفاوضات الهدنة إلى مجرد أداة للتكتيك والمراوغة، وليس مدخلًا حقيقيًا نحو وقف شامل للعدوان أو معالجة جذور الأزمة.