في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة، تواصل السلطة الفلسطينية مساعيها الدبلوماسية المكثفة لإعادة تسليط الضوء على المأساة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، من خلال تحركات تهدف إلى كسر الجمود السياسي واستنهاض موقف أوروبي أكثر وضوحاً وفاعلية تجاه إسرائيل.
ويأتي لقاء نائب رئيس دولة فلسطين وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، مع وفد بعثة المساعدات الحدودية للاتحاد الأوروبي، في هذا السياق، كمؤشر إضافي على رغبة السلطة في استثمار كل أدوات العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي للضغط باتجاه وقف فوري للعدوان، وإعادة الاعتبار للبعد السياسي للقضية الفلسطينية.
تعبئة الموقف الأوروبي
لقاء الشيخ مع البعثة الأوروبية ليس منعزلاً عن جملة من اللقاءات والتحركات التي قادتها السلطة الفلسطينية مؤخراً، سواء على مستوى القيادة السياسية أو عبر القنوات الدبلوماسية، والتي تسعى إلى تعبئة الموقف الأوروبي – أو ما تبقى منه – ليكون أكثر انسجاماً مع القانون الدولي، خاصة في ظل التواطؤ أو الصمت الواضح الذي طبع مواقف عدد من الدول الغربية الكبرى تجاه الجرائم التي تُرتكب يومياً في غزة والضفة الغربية. فالمعادلة اليوم لم تعد تتعلق فقط بإغاثة أو إعادة إعمار، بل بتثبيت المبدأ: لا يمكن للغرب أن يواصل تقديم نفسه كراعٍ للسلام وهو يغطّي انتهاكات صارخة أو يساوي بين الضحية والجلاد.
في هذا السياق، تراهن السلطة على أدوات القوة الناعمة التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي، وعلى علاقاته المؤسسية مع السلطة الفلسطينية، سواء عبر بعثات المساعدة الحدودية أو برامج التعاون المدني والأمني، لدفع الدول الأعضاء إلى الضغط على إسرائيل، على الأقل لوقف إطلاق النار، وإعادة فتح الأفق السياسي المُغلق منذ سنوات. اللقاء مع بعثة المساعدات الحدودية، وإن بدا فنياً، يحمل بُعداً رمزياً، إذ يمثل تذكيراً لأوروبا بمسؤوليتها السياسية والأخلاقية تجاه المشروع الوطني الفلسطيني الذي طالما حظي بدعم أوروبي، ولو في الحدود الدنيا.
معركة الشرعية الدولية
لكن هذه التحركات تصطدم بجملة من التحديات، أبرزها تراجع فاعلية الدور الأوروبي نفسه، وانقسام مواقفه تجاه ما يحدث في غزة، فضلاً عن تقييد قدرة السلطة الفلسطينية على المناورة في ظل حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، والغياب شبه التام لأي توافق وطني حول “اليوم التالي” للحرب، أو على الأقل بشأن شكل النظام السياسي الفلسطيني ومستقبله.
ومع ذلك، فإن محاولة السلطة استنهاض الدور الأوروبي تظل ذات قيمة، لا من ناحية موازنة التأثير الأميركي فحسب، بل كجزء من معركة الشرعية الدولية، التي تسعى إسرائيل إلى تقويضها سواء بمواصلة الاستيطان أو بمحاولات فرض حلول أمنية منفردة على الأرض.
استعادة المسار السياسي
المفارقة في التحرك الفلسطيني باتجاه أوروبا أنه يأتي في لحظة يتزايد فيها الحرج الأخلاقي لدى عدد من العواصم الأوروبية تجاه ما يُرتكب في غزة، مع تنامي الأصوات الشعبية والبرلمانية الرافضة للدعم المطلق لإسرائيل، واستمرار الضغوط على الحكومات الأوروبية لاتخاذ مواقف أكثر اتزاناً. وفي هذا الإطار، فإن زيارة بعثة المساعدات الحدودية قد تكون مدخلاً لتوسيع النقاش مع الاتحاد الأوروبي، ليس فقط حول الإغاثة وإدارة المعابر، بل أيضاً حول ضرورة استعادة المسار السياسي، ومنع فرض وقائع على الأرض بالقوة.