في خضم التصعيد المستمر والكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها قطاع غزة، تجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام تحدٍ معقّد ومتعدد الأبعاد، في محاولة للتأثير في مجريات الأحداث ومواجهة العدوان الإسرائيلي الذي لا يهدأ. وبالرغم من محدودية الأدوات السياسية، وضعف النفوذ الميداني للسلطة داخل القطاع، فإنها تسعى إلى استخدام ورقتها الدبلوماسية لمحاصرة إسرائيل سياسيًا، والتأثير على الرأي العام الدولي.
استراتيجية السلطة
الرئيس محمود عباس، في بيانه الأخير، رحّب بالمواقف الدولية التي أدانت سياسة الحصار والتجويع والتهجير التي تمارسها إسرائيل ضد سكان غزة. هذا الترحيب يعكس استراتيجية السلطة في استثمار أي تحرك دولي، مهما كان محدودًا، للضغط على إسرائيل من خلال القنوات السياسية والدبلوماسية.
السلطة تحاول التركيز على الجانب الإنساني باعتباره الأكثر حساسية أمام المجتمع الدولي، في ظل تزايد مشاهد المجاعة، ومئات الآلاف من المدنيين الذين يبحثون عن الطعام في التكايا، كما في خان يونس، حيث بات مشهد “الصراع على الطعام” رمزًا لمأساة شعب بأكمله.
استصدار قرارات أممية
ومن الواضح أن تحركات السلطة، تركز على بناء مظلة دعم دولي يمكن استخدامها لاحقًا في المحافل القانونية، كالمحكمة الجنائية الدولية، أو في استصدار قرارات أممية تُدين إسرائيل وتفرض ضغوطًا عليها. فدعوة المجتمع الدولي لإدخال المساعدات فورًا، وتسهيل عمل “الأونروا” في نقل وتوزيع الإغاثة، ليست فقط دعوة إنسانية، بل أيضًا محاولة لإعادة دور المؤسسات الدولية إلى غزة، بعد محاولات إسرائيل المستمرة لتقويضها.
وتعتمد السلطة على خطاب سياسي يُدين الاحتلال، ويُطالب بوقف إطلاق النار، ولكن حالة الانقسام في الداخل الفلسطيني تمثل نقطة ضعف، بالإضافة إلى غياب السيطرة الجغرافية للسلطة على غزة.
تدويل المأساة
تواجه السلطة أيضًا معضلة كبيرة في علاقتها بالغرب. فهي تحاول من جهة الحفاظ على دعم العواصم الغربية الكبرى، والتي كانت تاريخيًا داعمة لمسار “حل الدولتين”، لكن بطء المجتمع الدولي في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية يعرقل مسيرة جهودها.
جهود السلطة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي تتمحور حول تحريك الضغوط الدولية، وتكثيف المساعي الدبلوماسية لتدويل المأساة، مع التركيز على البعد الإنساني كمدخل لتضييق الخناق السياسي على إسرائيل. ولكن أيضا لابد من وجود وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، واستراتيجية شاملة تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية على كل المستويات.