تتسارع آلة الحرب الإسرائيلية نحو مستويات غير مسبوقة من العنف، سواء في غزة أو الضفة الغربية، بينما تواصل القيادة الفلسطينية، عبر السلطة الوطنية، مساعيها السياسية والدبلوماسية لحشد دعم دولي تجاه حل سياسي يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ويضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ورغم التصعيد العسكري، والمجازر، والممارسات التي توصف بالإبادة، لم تتوقف جهود السلطة عن التوجه نحو الساحة الدولية، ساعيةً إلى كسر العزلة السياسية التي تحاول إسرائيل فرضها على الأرض.
حراك سياسي يعيد الزخم إلى المسار التفاوضي
آخر هذه الجهود تمثلت في الإصرار على الإعداد للمؤتمر الدولي المرتقب بشأن حل الدولتين، رغم منع حكومة الاحتلال الوفد الوزاري العربي الإسلامي من الوصول إلى رام الله. هذا المنع لا يُقرأ فقط كعمل عدائي تقني أو أمني، بل هو موقف سياسي صريح من حكومة الاحتلال الرافضة لأي تدخل دولي يدعم الرؤية الفلسطينية أو يشكل ضغطاً على إسرائيل. فبمنعها هذا الوفد، لا تعاقب إسرائيل السلطة الفلسطينية فقط، بل تعاقب منطق الحل السياسي نفسه، وتغلق أبواب الحوار مع أي طرف دولي يسعى لدفع عجلة التسوية.
لكن الموقف الفلسطيني، كما عبّر عنه مساعد وزير الخارجية عمر عوض الله، لا يعترف بالهزيمة الدبلوماسية ولا يستسلم للواقع القائم. بل يبدو أكثر تصميماً على استثمار الغطاء العربي والإسلامي، الذي يتوسع اليوم في ظل تصاعد الغضب الدولي من جرائم الاحتلال، لصالح حراك سياسي يعيد الزخم إلى المسار التفاوضي، على قاعدة إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية. السلطة تعي جيداً أن الميدان العسكري في صالح إسرائيل، لكن الميدان القانوني والدولي والسياسي لا يزال يمتلك فرصاً إذا ما حُسن استثماره.
محاولات عزل السلطة
ما تفعله إسرائيل من محاولات لعزل السلطة، سواء بعرقلة اللقاءات الدولية أو بتكثيف القمع في الضفة الغربية، يهدف إلى تجريدها من شرعيتها، وتقديمها ككيان عاجز، لا يمتلك لا سيادة ولا قدرة على التمثيل. لكن السلطة، عبر أدواتها السياسية ومؤسساتها، تسعى لتفنيد هذا الادعاء، من خلال توسيع دائرة الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتحريك ملفات سياسية في المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن.
ومن جهة أخرى، فإن تصعيد إسرائيل في الضفة الغربية لا يمكن فصله عن هذا المسار، بل يُقرأ كجزء من استراتيجية خنق مزدوج: ميدانيًا عبر القتل والاعتقال والهدم، وسياسيًا عبر تقويض أي تحرك دبلوماسي يقود إلى حل. فكل اقتحام لجنين، ونابلس، والجلزون، هو رسالة سياسية لا تقل عن كونها عملية عسكرية: لا دولة، لا سيادة، لا حل.
موقف القوى الدولية تجاه إسرائيل
مع ذلك، فإن التحركات الدبلوماسية للسلطة تحاول كسر هذا الواقع، بالاعتماد على محور دعم عربي وإسلامي يتعاظم، وبتعويل على تراجع في موقف بعض القوى الدولية تجاه سياسة إسرائيل، خاصة في ظل تزايد الأصوات داخل الأمم المتحدة وأوروبا التي تصف ممارسات الاحتلال بالجرائم ضد الإنسانية. وهذا التحول، وإن كان بطيئًا ومترددًا، يشكّل فرصة سياسية ينبغي التمسك بها وتحويلها إلى مكاسب دبلوماسية.
السلطة الفلسطينية تدرك أن إسرائيل تراهن على عامل الوقت والتفكك العربي والإقليمي، لكنها، برهانها على القانون الدولي والشرعية، تحاول إثبات عكس ذلك: أن بوسعها أن تتحرك وتبني تحالفات وتحشد الدعم، حتى وإن حاول الاحتلال محاصرتها سياسياً كما يحاصر غزة عسكريًا. وما بين هذا وذاك، تبقى المعركة السياسية مستمرة، ولكنها ليست بلا أفق، ما دامت هناك إرادة للتمثيل الحقيقي، وثقة بأن الشرعية لا تُقاس بقوة النار، بل بعدالة القضية.